عَنْ الإِمام الصّادق (عليه السّلام) قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّه (صلّى الله عليه
وآله): ثَلَاثُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِيه أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِي ظِلِّ
عَرْشِ اللَّه يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه, رَجُلٌ أَعْطَى النّاس مِنْ نَفْسِه
مَا هُوَ سَائِلُهُمْ, ورَجُلٌ لَمْ يُقَدِّمْ رِجْلًا ولَمْ يُؤَخِّرْ رِجْلًا
حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ لِلَّه رِضًا, ورَجُلٌ لَمْ يَعِبْ أَخَاه الْمُسْلِمَ
بِعَيْبٍ حَتَّى يَنْفِيَ ذَلِكَ الْعَيْبَ عَنْ نَفْسِه, فَإِنَّه لَا يَنْفِي
مِنْهَا عَيْباً إِلَّا بَدَا لَه عَيْبٌ وكَفَى بِالْمَرْءِ شُغُلًا بِنَفْسِه عَنِ
النّاس"[1].
في يومِ القيامةِ حيثُ لا مفرَّ من اللهِ عزّ وجلّ إلا إليهِ وحيثُ لا يكونُ الفوزُ
إلا لمن كانَ في رعايةِ اللهِ عزّ وجلّ وعنايتِهِ، يَحضُر العملُ الصالحُ لهذَا
الإنسانِ في هذهِ الدنيَا فيكونُ شافعاً موصلاً للإنسانِ إلى ذلكَ، ويتحدثُ النبيُّ
(صلّى الله عليه وآله) في هذهِ الروايةِ عن خصالٍ ثلاثٍ لَو تَحلَّى بها الإنسانُ
في هذهِ الدنيا فإنهُ سوفَ يكونُ من أهلِ الفوزِ في الآخرةِ:
1ـ يساوي النّاس من نفسهِ في المعاملةِ، فيعطيهم ما يطلبهُ أحيانًا منهم، فإذا
قصدَهُ أحدٌ بطلبٍ ما فإنهُ يَستجيبُ لهُ، فعن الإمامِ الصّادق (عليه السّلام) قال:
"خيارُكم سمحاؤُكم وشرارُكم بخلاؤُكم، ومن صالحِ الأعمالِ البرُّ بالإخوانِ والسّعيُ
في حوائجِهِم، وفي ذلكَ مَرغَمَةٌ للشّيطانِ وتزحزحٌ عن النّيرانِ ودخولُ الجنانَ،
يا جميلُ أخبرْ بهذا الحديثِ غُرَرَ أصحابِك". قلت: من غُررُ أصحابي؟ قال:"هم
البارُّون بالإخوانِ في حالِ العسرِ واليسرِ ثمّ قال: أمَا إنّ صاحبَ الكثيرِ يهونُ
عليه ذلك، وقد مدح اللهُ صاحبَ القليلِ فقال:
﴿ويُؤثِرُونَ على أنفُسِهِم ولَو كانَ
بهم خَصَاصَةٌ ومن يُوْقَ شُحَّ نفسِهِ فأُولَئِك همُ المُفْلِحُونَ﴾[2]"[3].
2ـ يجعلُ رضى اللهِ عزّ وجلّ محورَ حياتِهِ فلا يُقدِمُ على أيِّ عملٍ لا يُحرزُ
ويطمئنُّ بأنّ للهِ عزّ وجلّ فيه رضى، وهذا يتحقّقُ بمخالفةِ هوى النّفسِ الّتي
تذهبُ بهِ بعيدًا عن الوصولِ إلى رضى اللهِ، ففي وصيّةِ لقمان (عليه السّلام) -
لابنهِ -: "يا بُنيَّ منْ يُرِدْ رضوانَ اللهِ يُسخِطْ نفسَه كثيرًا، ومن لا يُسخِطْ
نفسَه لا يرضى به"[4].
3ـ لا يتّجهُ إلى النّاس بذكرِ عيوبِهم وهو قد ابتُلي بمثلِ تلك العيوبِ،
بل يتّجهُ
لإصلاحِ نفسهِ أولًا، ويُقدّمُ الإمام (عليه السّلام) تعليمًا عمليًّا يجعلُ
الإنسانَ ينصرفُ عن التّعرُّض لعيوبِ النّاس، وهو أَنْ يشتغلَ بعيوبِ نفسهِ، ويبحثَ
عن النّقصِ الّذي لديهِ، فإنّه بذلك سوف ينصرفُ عن التّعرُّضِ للنّاسِ، لأمرين:
أوّلًا: إنّه حيث يرى العيبَ في نفسهِ فكيف له أنْ يلومَ غيرَه على عيبٍ هو فيه، بل
سيحترزُ عن ذلك، فعن أميرِ المؤمنينَ الإمام علي (عليه السّلام): "لينهَكَ عن ذكرِ
معايبِ النّاس ما تعرفُ من معايبِك"[5].
ثانيًا: إنّ شغلَه بعيوبِ نفسِه سوف يصرفُ اهتمامَه عن تَتبُّع عيوبِ النّاس لكي
تكونَ عنايتُه بعيوبِ نفسِه، وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام): "أعقلُ
النّاس من كان بعيبِه بصيرًا، وعن عيبِ غيرِه ضريرًا"[6].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] الشّيخ الكليني، الكافي، ج2، ص147.
[2] سورة الحشر، الآية 9.
[3] الشّيخ الكليني، الكافي، ج2، ص41.
[4] أعلام الدين، ص327.
[5] مستدرك الوسائل، ج11، ص316.
[6] غرر الحكم ودرر الكلم، ص207.