اختصَّ اللهُ عزّ وجلّ سيدةَ نساءِ العالمينَ بمقاماتٍ وردتْ في الرّواياتِ، ومن
أعظمِ هذه المقاماتِ ما وردَ في رواياتِ الفريقينِ من الشّيعةِ والسنَّةِ، وبعضُ
هذه الرواياتِ تتحدّث عن ارتباطِ السيدةِ الزهراء (عليها السّلام) بأبيها، ففي صحيحِ
البخاريّ: "إنّ رسولَ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) قالَ: فاطمةُ بضعةٌ منّي فمن
أغضَبَها أغضَبَني"[1].
وبعضٌ آخرُ من هذهِ الرواياتِ يتحدّثُ عن ارتباطِ السيدةِ الطاهرةِ باللهِ عزّ وجلّ
فقد رُويَ أن النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال:"يا فاطمةُ إنّ اللهَ ليغضبُ لغضبكِ
ويرضى لرضاكِ"[2].
لم يكنْ للنبيِّ أن ينطقَ عنِ الهوى، فقد علَّمَه شديدُ القوى، وإذ يصفُ كريمتَهُ
الطاهرةَ فاطمةَ ويجعلُ من غضبِها ورضاهَا علامةً وباباً لتجنُّبِ غضبِ اللهِ عزّ
وجلّ ولتحصيلِ رضاه؛ فإنّ ذلكَ يدلُّنَا بوضوحٍ على أمورٍعدّة وهي؛
1- إنّ هذا يُعتبرُ من جملةِ الأدلّةِ على إثباتِ
عصمَتِهَا (عليها السّلام)، إذ إنّ غضبَ فاطمةَ ورضاهَا يدُلّانِ على
الرّضى والغضبِ الإلهيينِ مِمَّا يعني أنَّ غضبَ فاطمةَ ورضاها فرعُ غضبِ اللهِ
تعالى ورضاه وهذا يكشفُ عن عصمتِها (عليها السّلام)، إذ لا يكونُ الرضى والغضبُ
الصّادرَينِ من قِبَلِ شخصٍ، رضى وغضباً إلهيّاً؛ إلّا حينما يكونُ هذا الشخصُ
بعينِهِ معصوماً عن كلّ عيبٍ ممتنعاً عن كلِّ قبيحٍ ليكونَ رضاهُ وغضبُه في حدودِ
الرّضى والغضبِ الإلهيين .
2- لزومُ طاعتِها على الخلقِ، فإذا كان سعيُ
الإنسانِ لتحصيلِ رضى اللهِ وهو يحصلُ برضاها ويتحقّقُ بعدمِ غضَبِهَا (عليها
السّلام)، فهذا يلازِمُ وجوبَ طاعتِهَا فلن يصدرَ منها أيُّ أمرٍ أو نهيٍ إلّا وفي
ذلك رضى اللهِ عزّ وجلّ.
3- إنّ من يصل إلى هذا المقامِ لا بُدَّ وأنْ يكونَ
مسبوقَاً بالعنايةِ الإلهيّةِ والتّسديدِ، لأنّه من مقاماتِ أهلِ العصمةِ
وهو مقامُ الأنبياءِ، وأيضاً من مظاهرِ العنايةِ الإلهيّةِ بالسّيدةِ الزهراءِ.
حديثُ جبرائيلَ لها بعد وفاةِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله): زيدُ بنُ عليٍّ قالَ:
سمعتُ أبا عبدِ اللهِ(عليه السّلام) يقولُ: "إنَّما سُمّيتْ فاطمةُ عليها السّلام
محدَّثَهً لأنّ الملائكةَ كانت تهبطُ من السماءِ فتُنَادِيها كما تُنادي مريمَ بنتَ
عمران"[3].
ويصفُ الإمامُ الخمينيُّ هذا المقامَ بقولِه: "مسألةُ مجيءِ جبرائيلَ عليه السّلام
إلى شخصٍ ليست مسألةً عاديّةً، لا تتصوّرْ أنّ جبرائيلَ يأتي إلى أيِّ شخصٍ، أو أنّ
من الممكنِ أنْ يأتيَ، إنّ هذا بحاجةٍ إلى تناسبٍ بين روحِ ذلكَ الشخصِ الذي يأتي
جبرائيلُ إليهِ وبين مقامِ جبرائيلَ الذي هوَ الرّوحُ الأعظمُ".. "هذا التّناسبُ
كان قائماً بين جبرائيلَ الرّوحِ الأعظمِ، والدرجةِ الأولى من الأنبياءِ عليهم
السّلام، كرسولِ اللهِ وموسى وعيسى وإبراهيمَ وأمثالِهم– صلوات الله عليهم -".
ويُكمِلُ الإمامُ الخمينيُّ قائلاً: "إنني أعتبرُ هذهِ الفضيلةَ للزّهراءِ عليها
السّلام على الرّغم من عَظَمةِ كلِّ فضائِلها الأخرى أعتبرُها أعلى فضائِلِها، حيثُ
لم يتحقّقْ مثلُها لغيرِ الأنبياءِ، بل لم يتحقّقْ مثلُها لجميعِ الأنبياءِ عليهم
السّلام، وإنّما للطّبقةِ العليا منهم، ولِأعظمِ الأولياءِ الذين هم في رُتبتِهم،
ولم تتحقّقْ لشخصٍ آخرَ. وهذه من الفضائلِ المختصّةِ بالصّدّيقةِ عليها السّلام".
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] صحيح البخاري، ج4، ص 210.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص44.
[3] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص 182.