قال تعالى: [ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ
الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ
عَابِدِينَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ].
لم يكنْ خلقُ الإنسان في هذه الأرضِ عبثاً، بل لغايةٍ صادرةٍ عن حكمةٍ بالغةٍ من
الخالقِ تعالى، وقد نَصَّ على أنّ ذلك هو نيلُ مقامِ الخلافةِ الإلهيّةِ حيثُ قال
تعالى: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً". وخليفةُ اللهِ في هذه الأرضِ هو
الذي تخلَّقَ بالصفاتِ الإلهيّةِ وتجلّتْ فيه الإرادةُ الإلهيةُ فامتَثَلَ أوامرَ
اللهِ عزَّ وجلَّ وهو الذي كَتَبَهُ اللهُ من الصالحين الذين يَرِثُون الأرض.
وقد حدّثنا القرآنُ الكريمُ عن إبراهيم خليلِ اللهِ الذي جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ له
مقامَ الإمامةِ، ففي روايةِ الإمامِ الرضا عليه السلام: "إنّ الإمامة خصَّ اللهُ عزَّ
وجلَّ بها إبراهيمَ الخليلَ عليه السلام بعد النبوّةِ، والخلّةُ مرتبةٌ ثالثة،
وفضيلةٌ شرّفَه اللهُ بها،فأشادَ بها ذكرهُ، فقال عزَّ وجلَّ: إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا".
وأمّا مقامُ الإمامةِ من ذريّةِ إبراهيم فلم يتحقّقْ إلا لمن كان من الصالحين بحسبِ
الوصفِ القرآنيِّ، ولذا قال الإمام الرضا عليه السلام مبيّنًا كيف أكرمَ اللهُ عزَّ
وجلَّ نبيّه إبراهيم: "جعلها في ذريتهِ أهلِ الصفوةِ والطهارةِ، فقال عزَّ وجلَّ: "وَوَهَبْنَا
لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ*
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ
الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا
عَابِدِينَ".
ولم يكنْ الحقُّ في وراثةِ الأرضِ يوماً إلّا لأولئك الخُلَّصِ من الأولياءِ
الصالحين من ذريةِ إبراهيم قرناً فقرناً، حتّى ورثَها النبيُّ صلى الله عليه وآله،
فقالَ جلَّ جلالُه: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ
وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ" فكانت
له خاصةً، فقلّدَها النبيُّ صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام بأمرِ اللهِ عزَّ
وجلَّ على رسمِ ما فرضَ اللهُ، فصارتْ في ذريتِه الأصفياءِ الذين آتاهمُ اللهُ
العلمَ والإيمان بقولِه عزَّ وجلَّ: "وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ" فهي
في ولدِ عليٍّ عليه السلام خاصةً إلى يومِ القيامةِ.
فالأئمّةُ هم الوارثونَ لهذه الأرضِ وقد قال تعالى: "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى
الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوَارِثِينَ".
وخاتمُ أئمّةِ الهدى الإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه هو الذي يرثُ
الأرضَ، فعن الإمامِ الباقرِ عليه السلام في ذيل هذه الآية: "هم أصحابُ المهديِّ في
آخر الزمان " .
وجاءَ في تفسيرِ القميِّ في ذيلِ هذه الآية: "إنَّ الأرضَ يرثُها عبادي الصالحون"،
قال : "القائمُ وأصحابُه".
فهو وعدٌ إلهيٌّ يتحقّقُ به ما ينتظُره المؤمنونَ وقد وردَ عن أميرِ المؤمنين عليه
السلام : "أَلَا إِنَّ مَثَلَ آلِ مُحَمَّدٍ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ،
كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ: إِذَا خَوَى نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، فَكَأَنَّكُمْ
قَدْ تَكَامَلَتْ مِنَ اللَّهِ فِيكُمُ الصَّنَائِعُ، وأَرَاكُمْ مَا كُنْتُمْ
تَأْمُلُونَ".
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين