عن أمير المؤمنين عليه السلام: "عِبَادَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ
اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْداً أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتَشْعَرَ
الْحُزْنَ، وتَجَلْبَبَ الْخَوْفَ فَزَهَرَ مِصْبَاحُ الْهُدَى فِي قَلْبِهِ،
وأَعَدَّ الْقِرَى لِيَوْمِهِ النَّازِلِ بِهِ، فَقَرَّبَ عَلَى نَفْسِهِ الْبَعِيدَ،
وهَوَّنَ الشَّدِيدَ".
يعيشُ الإنسانُ مع نفسِه في هذه الدنيا معركةً مستمرّةً إذ تقودُه دائماً إلى
التعلّقِ بها والأخذِ منها فلا يشبعُ، وفي هذه المعركةِ يحتاجُ الإنسانُ إلى أدواتٍ
تكونُ عوناً مساعداً له في مواجهةِ الأهواءِ التي تذهبُ به يميناً وشمالاً.
وبابُ الإعانةِ هذا يُعطى من عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فمِنْ خلالِ ما فرضَه اللهُ عزَّ
وجلَّ من عباداتٍ وأعمالٍ لا سيّما عبادة الصوم، ومن خلالِ الأزمنةِ المباركةِ التي
جعلَها محطّاتٍ لهذا الإنسانِ يستفيدُ منها كشهرِ رمضانَ وليالي القدرِ، سهّلَ لهذا
الإنسانِ مواجهةَ هذه النفس.
إنّ الشعورَ بالحزنِ والخوفِ أمامَ عظمةِ الخالقِ لا بُدَّ وأن يرافقَ هذا الإنسانَ
في حياتهِ حتى يصلَ إلى النورِ الذي يُضيءُ هذا القلبَ فعندئذٍ يتمكّنُ من السيرِ
في خطِّ الهدى لضمانِ الوصولِ إلى الفوزِ في الآخرةِ.
ويُبيّنُ علماءُ الأخلاقِ كيف تجعلُ حالُ الحزنِ والخوفِ الإنسانَ ممتنَعاً عن
إرتكابِ المعاصي، لأنّه سوف يفقدُ شعورَ اللذّةِ بمعصيةِ اللهِ. فلنتصوَّرْ أنّ
شخصاً فَقَدَ عزيزاً وابتُلي بفراقِ إبنه، ففي هذه الحال يكونُ الإنسانُ مغموماً
حزيناً، بحيث لا يشعرُ بلذّةِ أيِّ شيءٍ يدعو للسرور. حتى إنّه لا يرغبُ بالطعامِ
ولا يُدركُ لذّتَه. أو الشخص الذي يلاحقهُ عدوٌّ، وكلُّ همِّه كيف ينجو من خطرِ
الموت. هذا الشخصُ في هذه الحال لا يشعرُ ما إذا كان الجوُّ بارداً أو حارّاً ولا
يُدركُ أنّه جائعٌ أو عطشان. لذلك يجبُ أن يكونَ الحزنُ والخوفُ من الآخرةِ كبيراً
في حياتِنا بحيث لا تتمكّنُ كافّةُ اللذائذِ والأمورِ الدنيويّةِ من جذبِنا إليها.
والخوفُ يتجلّى بالتذكُّرِ الدائمِ لتلك الساعةِ التي سوف تحلُّ به، وهي ساعةُ
الموتِ وأنّ عليه توفيرَ الزادِ لتلك الساعةِ؛ لأنَّ بها يُختمُ العملُ وتنتهي
مرحلةُ التزوّدِ. ومن فرصِ التزوّدِ الإلهيّ المفتوحةِ للعبادِ إغتنامُ شهرِ رمضانَ،
وقد وردَ أنّ لهذا الشهرِ خصائص:
1- شهرُ الضيافةِ عند اللهِ ففي خطبةِ الرسول (صلّى الله عليه وآله): (دُعيتُم فيه
إلى ضيافةِ اللهِ وجُعلتُم فيه من أهلِ كرامةِ الله)، ولذا كان الشقاءُ الشديدُ
نصيبَ من حُرِم من مغفرةِ اللهِ في هذا الشهرِ الكريمِ، عنه (صلّى الله عليه وآله):
إنّ الشقيَّ من حُرِم غفرانَ اللهِ في هذا الشهرِ العظيم).
2- شهرُ مغفرةِ الذنوبِ وقد وردَ في الروايةِ عن رسولِ اللهِ أنّ من خصالِ شهرِ
رمضانَ أنّه يذوبُ الحرامُ من جسدِه.
3- شهرُ مضاعفةِ الثوابِ، فعن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله): (وجعل قيامَ ليلةٍ
فيه بتطوّعِ صلاةٍ كمن تطوّعَ بصلاةِ سبعينَ ليلةً فيما سواه من الشهور).
4- ومن الخصائصِ المهمّةِ لهذا الشهرِ أنّ نتائجَه تظهرُ في الآخرةِ فالجوعُ فيه
يُقابلُه الشبعُ في يومِ القيامةِ، وكذلك العطشُ، ولذا وردَ عن رسولِ اللهِ (صلّى
الله عليه وآله): (أمانٌ من الجوعِ والعطشِ يومَ القيامة).
جعلَنا الله من الآمنين بفضلِ سعةِ رحمتهِ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين