عن الإمام الرضا عليه السلام: «كُلَّمَا أَحْدَثَ الْعِبَادُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا
لَمْ يَكُونُوا يَعْمَلُونَ، أَحْدَثَ اللَّه لَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَمْ
يَكُونُوا يَعْرِفُونَ[1]».
يَسألُ الكثيرُ من الناسِ عن سرِّ الابتلاءاتِ التي يَرونَها كلَّ يومٍ من أمراضٍ
ومصائبَ، وكيف يعيشونَ الحرمانَ من الرزقِ والعطاءِ الإلهيِّ، وفي المفاهيم
الإسلاميّةِ الواردةِ عن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام إجاباتٌ متعدّدةٌ عن هذا
السؤالِ، ومنها ما يُشيرُ إليه ثامنُ الحججِ الإمامُ عليُّ بنُ موسى الرضا عليه
السلام في هذا الحديثِ، وأنّ ذلك يَرجِعُ إلى "ذنوبِ العبادِ"، فالإنسانُ يرى نتاجَ
عملِه وينسى ما قدّمَ من سببٍ أودَى به في متاهاتِ العقابِ الإلهيِّ. فإذا كانَ
الإنسانُ يُبدِعُ في معصيةِ اللهِ ومع تقدُّمِ علومِه يخطو أكثرَ باتجاهِ المعاصي،
فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يأتيه ببلاءٍ لم يكنْ سابقاً، كأنواعِ المرضِ التي نسمعُ
بها يوماً بعدَ يومٍ.
فاللهُ عزَّ وجلَّ لا يُهمِلُ عبادَهُ في هذه الدنيا بل يُنزِلُ بعضاً ممّا
يستحقّونَه من عذابٍ عقاباً أو تنبيهاً لهم على عدمِ التمادي فيها، وفي روايةِ
المفضَّلِ عن الإمامِ الصادقِ عليه السلام قالَ : «يَا مُفَضَّلُ، إِيَّاكَ
وَالذُّنُوبَ، وَحَذِّرْهَا شِيعَتَنَا، فَوَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَى أَحَدٍ أَسْرَعَ
مِنْهَا إِلَيْكُمْ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَتُصِيبُهُ الْمَعَرَّةُ مِنَ السُّلْطَانِ
وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِذُنُوبِهِ، وَإِنَّهُ لَيُصِيبُهُ السُّقْمُ وَمَا ذَاكَ
إِلَّا بِذُنُوبِهِ، وَإِنَّهُ لَيُحْبَسُ عَنْهُ الرِّزْقُ وَمَا هُوَ إِلَّا
بِذُنُوبِهِ، و إِنَّهُ لَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَمَا هُوَ إِلَّا
بِذُنُوبِهِ، حَتَّى يَقُولَ مَنْ حَضَرَهُ، لَقَدْ غُمَّ بِالْمَوْتِ، فَلَمَّا
رَأَى مَا قَدْ دَخَلَنِي، قَالَ: أَتَدْرِي لِمَ ذَاكَ يَا مُفَضَّلُ؟ قَالَ:
قُلْتُ: لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: ذَاكَ وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَا
تُؤَاخَذُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَعُجِّلَتْ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا».[2]
ومن آثارِ ارتكابِ العبادِ للذنوبِ
1- العذابُ: ففي الروايةِ عَنْ الإمامِ الصادقِ عليه السلام:«تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ
مِنْ سَطَوَاتِ اللَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: وَمَا
سَطَوَاتُ اللَّهِ؟ قَالَ: الْأَخْذُ عَلَى الْمَعَاصِي»[3].
2- الحرمانُ من استجابةِ الدعاءِ: فعنِ الإمامِ الباقرِ عليه السلام قالَ: «إِنَّ
الْعَبْدَ يَسْأَلُ اللَّهَ الْحَاجَةَ فَيَكُونُ مِنْ شَأْنِهِ قَضَاؤُهَا إِلَى
أَجَلٍ قَرِيبٍ أَوْ إِلَى وَقْتٍ بَطِيءٍ، فَيُذْنِبُ الْعَبْدُ ذَنْباً،
فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْمَلَكِ: لَا تَقْضِ حَاجَتَهُ
وَاحْرِمْهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ تَعَرَّضَ لِسَخَطِي وَاسْتَوْجَبَ الْحِرْمَانَ
مِنِّي»[4].
3- تسلّطُ شرارِ الناسِ على ظلمِ الناسِ، ولأنّهم لا يعرفونَ اللهَ عزَّ وجلَّ لا
يرتدعونَ عن أنواعِ الظلمِ، فعنِ الإمامِ الصادقِ عليه السلام: قَالَ: «يَقُولُ
اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: إِذَا عَصَانِي مَنْ عَرَفَنِي سَلَّطْتُ عَلَيْه مَنْ لَا
يَعْرِفُنِي».[5]
فاللازمُ على كلِّ إنسانٍ عندما يعيشُ النِّعمَ ويرى أنّ دواعيَ الذنوبِ حاضرةٌ، أنْ
يلتفتَ إلى لحظاتِ الوحشةِ والوحدةِ فإنّه بذلك يَرتدعُ عن المعاصي، فعنِ الإمامِ
الرضا عليه السلام: «إِنَّ أَوْحَشَ مَا يَكُونُ هَذَا الْخَلْقُ فِي ثَلَاثَةِ
مَوَاطِنَ، يَوْمَ يُولَدُ وَيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فَيَرَى الدُّنْيَا،
وَيَوْمَ يَمُوتُ فَيَرَى الْآخِرَةَ وَأَهْلَهَا، وَيَوْمَ يُبْعَثُ فَيَرَى
أَحْكَاماً لَمْ يَرَهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَقَدْ سَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَى يَحْيَى فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَوَاطِنِ وَ آمَنَ رَوْعَتَهُ، فَقَالَ:
﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّ﴾[6]
وَقَدْ سَلَّمَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذِهِ
الثَّلَاثَةِ الْمَوَاطِنِ، فَقَالَ: ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ
وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّ﴾[7]»[8].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 275.
[2] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 297.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 269.
[4] المصدر نفسه، ص 271.
[5] المصدر نفسه، ص 276.
[6] سورة مريم، الآية 15.
[7] سورة مريم، الآية 33.
[8] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 107.