عن الإمام الصادق (عليه السّلام) في حديثٍ يذكرُ فيه عيدَ الغدير: «هو عيدُ اللهِ
الأكبرُ، وما بعثَ اللهُ نبيّاً إلّا وتعيَّدَ في هذا اليومِ وعرفَ حرمتَه، واسمُه
في السماءِ يومُ العهدِ المعهودِ وفي الأرضِ يومُ الميثاقِ المأخوذِ والجمعِ
المشهودِ».
مِنْ عظمةِ يومِ الغديرِ أنّ الرواياتِ وردتْ بوصفِه عيدَ اللهِ الأكبر، وتتعدّدُ
المصالحُ التي أرادَ الإسلامُ من خلالِ حثِّ الناسِ على الاحتفالِ بهذا العيدِ،
وأهمُّها التذكُّرُ الدائمُ لما جرى فيه مِنْ إعلانِ النبيِّ (صلّى اللهُ عليه وآله)
أمامَ ملأٍ عظيمٍ من المسلمينَ أنّ وليّهم من بعدِه هو أميرُ المؤمنينَ عليٌّ (عليه
السّلام).
يتحدّثُ الإمامُ الخامنئيُّ - حفظه المولى - عن ثلاثِ خصائصَ لهذا العيدِ وهي أمورٌ
كانت من الأهدافِ المنشودةِ للنبيِّ (صلّى الله عليه وآله) فيما قامَ به من الإعلانِ
بالولايةِ لأميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام).
1- الخصوصيّةُ الأولى: الكشفُ عن حقيقةِ الإسلام: يقولُ الإمامُ
الخامنئيُّ - حفظه المولى -: «إنّ النبيَّ الأكرمَ (صلّى الله عليه وآله) في ذلك
الموقعِ الحسّاسِ وفي آخرِ أشهرِ حياتِه وبناءً للتعاليمِ الإلهيّةِ والتكليفِ
الإلهيِّ بيّنَ مسألةً أساسيّةً ومهمّةً، وهي عبارةٌ عن التعرّضِ لمسألةِ الحكومةِ
لِما بعدَ زمانِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم. وإنّ مسألةَ تنصيبِ أميرِ
المؤمنينَ عليه السّلام لم تكنْ بمعنى التنصيبِ في خصوصِ الجوانبِ المعنويّةِ فقط،
بل يُمكنُ القولُ إنّ الجوانبَ المعنويّةَ غيرُ قابلةٍ للتنصيبِ، وما هو قابلٌ
للتنصيبِ عبارةٌ عن الحكومةِ والحكمِ والسياسةِ وقيادةِ المجتمعِ الإسلامي، وهذا ما
أوصى به النبيُّ الأكرمُ (صلّى الله عليه وآله)، هذه نقطةٌ مهمّةٌ جدّاً في مسألةِ
الغديرِ، والتي تُعتبرُ جواباً مفحماً لأولئك الذين يظنّون ويصرّحونَ أنّ الإسلامَ
بعيدٌ عن المسائلِ السياسيّةِ والمسائلِ الحكوميّةِ وأمثالِ ذلك».
2- الخصوصيّةُ الثانيةُ: بيانُ حقيقةِ الإمامةِ وشخصيّةِ الإمام الذي
يقودُ الناسَ: يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ -حفظه المولى -: «إنّ أحدَ أبرزِ الدروسِ،
التي تمخّضَ عنها تنصيبُ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ (عليه الصلاة والسلام)
خليفةً على الأمّةِ، تمثّلَ في إبرازِ وإجلاءِ قيمِ الخلافةِ ومعاييرها».
فقد قدّمَ رسولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) يومَ الغديرِ للناسِ وللتاريخ شخصاً
كانت كلُّ المعاييرِ الإسلاميةِ قد تجلّتْ فيه. شخصٌ مؤمنٌ تمتّعَ بأعلى درجاتِ
التقوى والورعِ والتضحيةِ في سبيلِ الدينِ، راغبٌ عن الدنيا، مجرَّبٌ في الشدائدِ
وممتحنٌ في سائرِ الساحاتِ والميادينِ الإسلاميةِ، ميادينِ الخطرِ وميادينِ العلمِ
والمعرفةِ وميادينِ القضاءِ وغيرِها.
فمن خلالِ تنصيبِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) حاكماً وإماماً وولياً على الأمّةِ
الإسلاميةِ، كان لا بدّ للمسلمينَ أنْ يفهموا، وعلى مدى الأزمانِ، أنّ الحاكمَ
الإسلاميَّ لا بدّ أنْ يكونَ شخصاً مماثلاً للنموذجِ العلويِّ أو قريباً منه.
لذلك، فمن لم تتجسَّدْ فيه تلك المعاييرُ، من علمٍ إسلاميٍّ وعملٍ إسلاميٍّ وجهادٍ
إسلاميٍّ وإنفاقٍ وعفوٍ وحلمٍ وتواضعٍ لعبادِ اللهِ وغيرِ ذلك من السماتِ التي
حوتْها شخصيّةُ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ (عليه السلام)، فهو غيرُ لائقٍ
بالحكومةِ والخلافةِ.
3- الخصوصيّةُ الثالثةُ: بيانُ أنّ الإمامةَ قوامُ الإسلامِ: إنّ عيدَ
الغديرِ هو قضيةُ قيادةِ المجتمعِ الإسلاميِّ، الحدثُ الذي تمَّ فيه تحديدُ الضوابطِ
والقواعدِ للحكومةِ والمجتمع الإسلاميِّ؛ وهذه القاعدةُ هي قاعدةُ الإمامةِ
والولايةِ، وعندما وُضِعَتْ هذه القاعدةُ يَئِسَ الأعداءُ من تحريفِ مسارِ الدينِ.
وقد أعلنَ ذلك يومُ الغديرِ. وحتى آخرِ يومٍ في هذه الدنيا، أينما أرادَ أيُّ مسلمٍ
أنْ يُحقِّقَ الإسلامَ، فعليه أنْ يقومَ بإحياءِ الإمامةِ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين