فضَّلَ الله -عزَّ وجلَّ- أهلَ بيتِ نبيِّه محمدٍ(صلّى الله عليه وآله) على خلقِه
أجمعين، فامتازوا عن الناسِ بعلاقتِهم باللهِ -عزَّ وجلَّ-، وما وردَ عنهم يشهدُ
على العلاقةِ الخاصّةِ بينهم وبين ربِّهم، والتي يمكنُ أنْ نعرضَ صوراً منها في
حياةِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) ممَّا وردَ في الصحيفةِ السجاديّةِ،
والتي احتوتْ على أربعةٍ وخمسينَ دعاءً من أدعيتِه (عليه السلام)، ومن هذه الأدعيةِ
ما كان يدعو به (عَلَيْه السَّلَام) إِذَا مَرِضَ أَوْ نَزَلَ بِه كَرْبٌ أَوْ
بَلِيَّةٌ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا لَمْ أَزَلْ أَتَصَرَّفُ فِيه مِنْ
سَلَامَةِ بَدَنِي، ولَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بِي مِنْ عِلَّةٍ فِي
جَسَدِي فَمَا أَدْرِي، يَا إِلَهِي، أَيُّ الْحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ،
وأَيُّ الْوَقْتَيْنِ أَوْلَى بِالْحَمْدِ لَكَ أَوَقْتُ الصِّحَّةِ الَّتِي
هَنَّأْتَنِي فِيهَا طَيِّبَاتِ رِزْقِكَ، ونَشَّطْتَنِي بِهَا لِابْتِغَاءِ
مَرْضَاتِكَ وفَضْلِكَ، وقَوَّيْتَنِي مَعَهَا عَلَى مَا وَفَّقْتَنِي لَه مِنْ
طَاعَتِكَ أَمْ وَقْتُ الْعِلَّةِ الَّتِي مَحَّصْتَنِي بِهَا، والنِّعَمِ الَّتِي
أَتْحَفْتَنِي بِهَا، تَخْفِيفاً لِمَا ثَقُلَ بِه عَلَيَّ ظَهْرِي مِنَ
الْخَطِيئَاتِ، وتَطْهِيراً لِمَا انْغَمَسْتُ فِيه مِنَ السَّيِّئَاتِ، وتَنْبِيهاً
لِتَنَاوُلِ التَّوْبَةِ».
ففي هذا الدعاءِ يتحدّثُ الإمام عن حالتَين تُعرَضانِ للإنسانِ في هذه الدنيا
ويستوي في ذلك الغنيُّ والفقيرُ والكبيرُ والصغيرُ والعالمُ والجاهلُ وهما الصحّة
والمرض، فكيف ينبغي النظرُ إلى هاتَين الحالتَين والتعامل معهما:
أمّا في حالِ الصحّةِ فما ينبغي الالتفات إليه هو:
1- السعادةُ في التصرُّفِ في العطاءِ الإلهيّ، فالله -عزَّ وجلَّ- أعطى الإنسانَ
الطيّباتِ من الرزقِ، ولكنَّ الصحةَ والسلامةَ تجعلُ الإنسانَ يعيشُ الهناءَ
والسرورَ في التصرُّفِ في هذه الطيباتِ، فقد يُعطَى الإنسانُ الرزقَ ولكنّه يُحرمُ
السعادة.
2- النشاط في طلبِ مرضاةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فالإنسانُ الذي يعيشُ المعافاةَ في
بدنِه يملكُ الإرادةَ التي تجعلُه يتّجهُ نحو خالقِه بطلبِ ما يُرضيه من قضاءِ
حوائجِ الناسِ، أو السعي في نشرِ العلمِ أو القيامِ بما فرضَهُ اللهُ عليه.
3- امتلاكُ القدرةِ والقوّة على القيامِ بالطاعاتِ، وهذا لا يتمُّ إلّا بتوفيقٍ منه
-عزَّ وجلَّ- بما أعطاه لهذا الإنسانِ من إمكاناتٍ ووفَّرَ له من سُبلٍ.
وأمّا في حالِ المرضِ وفقدانِ العافيةِ فما ينبغي
الالتفاتُ إليه هو:
1- أنّ المرضَ لا ينزلُ بالعبدِ إلّا بحكمةٍ إلهيّةٍ؛ وهي اختبارُ هذا الإنسانِ
ومعرفة مدى ارتباطِه باللهِ -عزَّ وجلَّ-، من خلالِ الصبرِ عليه وحُسنِ التسليمِ
للهِ -عزَّ وجلّ-.
2- إنّ المرضَ يعودُ بنفعٍ أُخرويٍّ على العبادِ، وذلك بما يوجبُه من مغفرةِ الذنوبِ
ومحْوِ الخطايا، فلو أنّ العبدَ ارتبطَ بخالقِه، في حالاتِ مرضِه من خلالِ الصبرِ
والشكرِ، لكان ذلك سبباً للتخفيفِ من ثقلِ الذنوبِ، وعن الإمام الرضا (عليه السلام):
«المرضُ للمؤمنِ تطهيرٌ ورحمةٌ، وللكافرِ تعذيبٌ ولعنةٌ، وإنَّ المرضَ لا يزالُ
بالمؤمنِ حتى لا يكونَ عليه ذنبٌ»[1].
إنّ المرضَ وسيلةُ تذكيرٍ لهذا الإنسانِ، ففي حالاتِ النعمةِ والصحةِ ينفدُ الشيطانُ
إلى قلبِ الإنسانِ فيُنسيه ذكرَ اللهِ فيقعُ في الخطايا والآثامِ، ولابدَّ من توافرِ
أسبابِ اليقظةِ، ومنها المرضُ الذي يجعلُ الإنسان في خطِّ العودةِ إلى خالقِه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
[1] وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحرّ العامليّ - ج 2 ص 401.