الارتباط بالله -عزّ وجلّ- مفتاح
الكمال
عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ سرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ،
فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ؛ ومَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ النَّاسِ،
فَلْيَتَّقِ اللَّهَ؛ ومَنْ سرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ، فَلْيَكُنْ بِما
فِي يَدِ اللَّهِ أَوْثَقَ مِنْهُ مِمَّا فِي يَدَيْه».
للكمالاتِ أبوابُها وطرقُها الموصلةُ إليها، والإنسانُ يُخطئُ الطريقَ أحيانًا،
فيُخفقُ ويفشلُ، أو يصلُ إلى صورةٍ موهومةٍ منها، فيظنُّ في نفسه كمالًا وهو نقصٌ؛
لأنَّ الكمالَ الحقيقيَّ هو ما كانَ في الموازينِ الإلهيّةِ كذلك، ولا اعتبارَ بما
يراهُ بعضُ الناسِ كمالًا، إنْ كان سوف يُصبحُ في الآخرةِ وبالًا على صاحبهِ؛
يُحاسَبُ عليهِ ويكونُ من أبوابِ جهنم بالنسبةِ إليهِ.
ويتحدّثُ النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) في هذه الروايةِ عن خصالٍ ثلاثٍ من الكمالِ،
مبيِّنًا طريقَ الوصولِ إليها:
1- القوّة: إذا كانت القوّةُ تعني امتلاكَ الأسبابِ للوصولِ إلى الغاياتِ،
وأقوى الناسِ هو من يمتلكُ أهمَّ الأسبابِ، فإنَّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله)
يدلُّنا على السببِ الذي هو مفتاحُ الأسبابِ كلِّها، وهو التوكّلُ على اللهِ -عزَّ
وجلَّ- بمعنى الاعتمادِ عليهِ وحدَه. وفي وصيّةِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (عليه
السلام) لولدِه الإمامِ الحسنِ (عليه السلام): «وأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي أُمُورِكَ
كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ، فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ ومَانِعٍ
عَزِيزٍ». وقد وردَ في العديدِ من الرواياتِ أنَّ التوكُّلَ يتجلَّى في أمرينِ: أنْ
لا يخافَ الإنسانُ أحدًا إلّا الله -عزَّ وجلَّ-، ولا يرجوَ أحدًا غيرَه. وأهمُّ
ثمرةٍ مترتّبةٍ على التوكُّلِ هو الفلاحُ والنجاحُ. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ
لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا
بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ
اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾
2- الكرم: وهي من الصفاتِ الإنسانيّةِ الممدوحةِ التي أكّدتْ عليها
تعاليمُ الإسلامِ. والمرادُ به تلك المنزلةُ التي تكونُ للإنسانِ بين الناسِ، فلا
يمسُّهُ أحدٌ بسوءِ الكلامِ أو ينالُه بالتجريحِ عليه. وبابُ هذا هو تقوى اللهِ -عزَّ
وجلَّ-. ويصفُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) التقوى بصفاتٍ عظيمةٍ، منها ما وردَ
عنه من قوله: «فَإِنَّ التَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ والْجُنَّةُ، وفِي غَدٍ
الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ».
3- الغنى: وهو امتلاكُ الأسبابِ التي تجعلُه لا يحتاجُ إلى غيرِه. وبابُ
ذلك تمامُ العبوديّةِ للهِ -عزَّ وجلَّ- بمعرفةِ أنَّ الأمورَ كلَّها بيدِه وحدِه
فقط، وأنْ لا ينظُر إلى ما في يدِه من مالٍ أو جاهٍ أو سلطانٍ بأنّه بابُ الغنى
الذي ينعمُ به، بل حتّى مَنْ لا يملكُ شيئًا في يدِه، وكان يملكُ الثقةَ باللهِ -عزَّ
وجلَّ- بأنّه المتكفّلُ له، فإنَّه سوفَ يكونُ أغنى الناسِ.
وينعكسُ ذلك في سلوكِ الإنسانِ، بأنْ لا يطلبَ حاجةً من الناسِ، بل لا يعيش الأملَ
بأنْ يكونَ قضاءُ حاجتِه من الناسِ، فينحصرُ طلبُه باللهِ -عزَّ وجلَّ-. وقد وردَ
عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «الْغِنَى الأَكْبَرُ الْيَأْسُ عَمَّا فِي
أَيْدِي النَّاسِ»، ووردَ عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «ثلاثُ خِصَالٍ
مِنْ صِفَةِ أَوْلِيَاءِ اللهِ، الثِقَةُ باللهِ في كلِّ شيءٍ، والغِنَى بِهَ عَنْ
كُلِّ شَيْءٍ، وَالاِفْتِقَارُ إِلَيْهِ في كُلِّ شَيْءٍ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.