عن الإمامِ الصادقِ (ع)
قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): ثَلَاثٌ يُصْفِينَ وُدَّ الْمَرْءِ لأَخِيه
الْمُسْلِمِ يَلْقَاه بِالْبُشْرِ إِذَا لَقِيَه ويُوَسِّعُ لَه فِي الْمَجْلِسِ
إِذَا جَلَسَ إِلَيْه ويَدْعُوه بِأَحَبِّ الأَسْمَاءِ إِلَيْه"[1].
اعتنى الإسلامُ بإقامةِ وحفظِ العلاقاتِ الطيّبةِ بين أفرادِ المجتمعِ الإيماني،
فحثَّهم على الاهتمامِ ببعضهم البعض، من قضاءِ الحوائجِ والتزاورِ والتواصلِ، ووضعَ
الدينُ مفهومَ المودّةِ بما يعنيه من علاقةٍ قلبيّةٍ تُعبِّرُ عن العاطفةِ
المتبادلةِ أساساً يحفظُ من خلالِه الارتباطَ المستمرَّ الذي يثمرُ استقراراً في
الحياةِ الاجتماعيةِ يساعدُ على الوصولِ إلى المجتمعِ الإلهيِّ المنشودِ، ولأجلِ
بيانِ المدى الذي تبلغُه المودّةُ في تمتينِ أواصرِ الصلةِ يصفُها الإمامُ أميرُ
المؤمنينَ بأنّها بحدِّ القرابةِ فيقول (ع): "والمودّةُ قرابةٌ مستفادةٌ"،
وفي روايةٍ عن الإمامِ الحسنِ (ع): " القريبُ من قرّبته المودّةُ وإنْ بعُدَ
نسبُه، والبعيدُ من باعدَتْه المودّةُ وإنْ قرُبَ نسبُه"[2].
ولأنَّ التودُّدَ المطلوبَ يدعو إليه العقلُ والدينُ معاً ووردَ في بعضِ الرواياتِ
عن رسولِ الله (ص): " التَّوَدُّدُ إلَى النّاسِ نِصفُ العَقلِ"[3] وفي أخرى:
"التَّوَدُّدُ نِصفُ الدّينِ"[4] وفي ثالثةٍ: " وُدُّ المؤمِنِ لِلمُؤمِنِ
فِي اللّهِ؛ مِنْ أعظَمِ شُعَبِ الإِيمانِ، أَلَا ومَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ
وأَبْغَضَ فِي اللَّهِ وأَعْطَى فِي اللَّهِ ومَنَعَ فِي اللَّهِ فَهُوَ مِنْ
أَصْفِيَاءِ اللَّهِ"[5].
وقد وردَ في الرواياتِ بعضُ التعاليمِ الموجبةِ لحفظِ المودّةِ وإقامتِها، ويجمعُ
هذه التعاليمُ عنوانٌ واحدٌ هو (لينُ الجانبِ) أي أن يكونَ التعاملُ مع الناسِ
بالعطفِ والرحمةِ دون القسوةِ والشدّةِ، وقد وردُ عن أميرِ المؤمنينَ (ع): "مَنْ
تَلِنْ حَاشِيَتُه يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِه الْمَوَدَّةَ".
ويُترجمُ هذا العنوانُ بسلوكيّاتٍ وردتْ في الروايةِ المرويّةِ عن رسولِ اللهِ (ص):
1- أنْ يلقاه ببشاشةِ الوجهِ، فلا ينقبضُ عنه، وأن يُظهرَ الإنسانُ
فرحَه برؤيةِ أخيه، فإنَّ ذلك موجبٌ للعطفِ المتبادلِ، فعن الإمامِ الباقرِ (ع):
البِشرُ الحسنُ وطلاقةُ الوجهِ مكسبةٌ للمحبّةِ وقربةٌ من الله ، وعبوسُ الوجهِ
وسوءُ البشرِ مكسبةٌ للمقتِ وبُعدٌ من اللهِ.[6]
2- أنْ يفسحَ له مكاناً ليجلسَ إلى جانبِه إذا دخلَ عليه، فعن رسولِ
اللهِ (ص): " إذا أخذَ القومُ مجالسَهم، فإنْ دعا رجلٌ أخاه وأوسعَ له في مجلسِه
فليأتِه فإنّما هي كرامةٌ أكرمَه بها أخوه"[7].
3- أنْ يُناديه بأحبِّ الأسماءِ إليهِ.
4- أنْ يُعلِمَه ويُخبِرَه بمحبّتهِ له، ففي الروايةِ عن الإمامِ الصادقِ
(ع) قال: إذا أحببتَ رجلاً فأخبرْه بذلك فإنّه أثبتَ للمودّةِ بينَكما.[8]
وقد حثَّ الإسلامُ على المبادرةِ إلى إكرامِ الإخوانِ وهو موجبٌ لنزولِ رحمةِ اللهِ
عزَّ وجلَّ فقد وردَ عن رسولِ اللهِ (ص): "مَنْ أَكْرَمَ أَخَاه الْمُسْلِمَ
بِكَلِمَةٍ يُلْطِفُه بِهَا وفَرَّجَ عَنْه كُرْبَتَه لَمْ يَزَلْ فِي ظِلِّ اللَّه
الْمَمْدُودِ عَلَيْه الرَّحْمَةُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ ".[9]
[1] - الكافي الشيخ
الكليني - ج 2 ص 643
[2] - تحف العقول : 97
[3] - الكافي، ج 2، ص 643
[4] - تحف العقول، ص 60
[5] - الكافي، ج 2، ص 125
[6] - تحف العقول : 296 .
[7] - البحار : 75 / 465
[8] - وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 12 ص 54
[9] - الكافي - ج 2 ص 206