العظمة الزينبيّة
«السلامُ عليكِ أيَّتُها السيدةُ
الزَكِيّةُ، الطاهرةُ الوَلِيَّةُ، وَالداعِيةُ الحَفِيَّةُ، أشهَدُ أنكِ قُلتِ
حَقَّاً، وَنَطَقتِ صِدقاً، وَدَعَوتِ إلى مَولايَ وَمَولاكِ عَلانِيَةً وَسِراً،
فازَ مُتَّبِعُكِ، وَنجَا مُصَدِّقُكِ، وَخابَ وَخَسِرَ مُكَذِّبُكِ والمتُخَلِّفُ
عَنكِ، اشهَدِي ليِ بهِذهِ الشَهادَةِ لِأكُونَ مِنَ الفائزينَ بِمَعرفَتِكِ
وَطاعَتِكِ وَتَصدِيِقكِ وَاتِّبَاعِكِ».
لقد اعتنى الإسلامُ كدينٍ خاتمٍ بتربيةِ الإنسانِ، ومن أهمِّ ذلك تلك النماذجُ التي
ولدتْ في بيتِ النبوّةِ وعاشتْ في كنفِ الولايةِ، فشكّلتْ القدوةَ لسائرِ الناسِ،
ومنهم السيّدةُ زينبُ سلامُ اللهِ عليها النموذجُ التامُّ للمرأةِ المسلمةِ.
ومن أهمِّ عناصرِ الشخصيةِ القدوةِ هو ثباتُ الشخصيةِ في كلِّ المواقفِ الذي يحكي
عن متانةِ النشأةِ وصدقِ البناءِ، فلا تتبدلُ تلك الشخصيةُ مهما جرى من أحداثٍ
وأحاطَ بها من بلاءاتٍ ومصاعبَ، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ واصفاً الشخصيةَ الزينبيةَ:
«لا يُمكنُ لحادثةٍ كعاشوراء أنْ تحطَّ من عزيمةِ زينبَ الكُبرى. عظمةُ حكومةٍ
ظالمةٍ جبّارةٍ كيزيدَ وعبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ لا يُمكنُ أن تذلَّ زينبَ الكُبرى.
زينبُ الكُبرى في المدينةِ - المكانِ الذي ترسّختْ فيه شخصيّتُها العظيمةُ - وفي
كربلاءَ -مركزِ مِحنِها - وفي قصرِ جبابرةٍ كيزيدَ وعبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ تُحافظُ
على ذاتِ العظمةِ المعنويّةِ وتُذلُّ سائرَ الشخصيّاتِ أمامَها».
وعناصرُ الشخصيةِ هذه تتمثّلُ بأمورٍ أشارَ إليها الإمامُ الخامنئيُّ في أكثرَ
من خطابٍ له وهي:
1- المشاعرُ الأنثويةُ: يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ: «عظمتُها
الأنثويّةُ تجعلُ أصحابَ العظمةِ الظاهريّةِ المزيّفةِ أذلّاءَ مقابلَها. هذا ما
تعنيه عظمتُها الأنثويةُ؛ مزيجٌ من المشاعرِ والعواطفِ الإنسانيّةِ بحيثُ يستحيلُ
العثورُ على هذه المشاعرِ المرهفةِ لدى أيِّ رجلٍ؛ والثباتُ والصلابةُ في الشخصيّةِ
والروحِ ممّا يُمكّنُها من استيعابِ كافةِ الأحداثِ العظيمةِ والخطيرةِ».
2- عظمةُ وثباتُ وصلابةُ قلبِ الإنسانِ المؤمنِ:
تميّزتْ السيدةُ زينبُ في صلابةِ الإيمانِ وتفوّقتْ بذلك حتى على عظيماتٍ تعرَّضَ
لهنَّ القرآنُ الكريمُ، ويتحدّثُ الإمامُ الخامنئيُّ عن مقارنةٍ عابرةٍ بين زينبَ
الكبری (ع) وبين زوجةِ فرعونَ: فزوجةُ فرعونَ آمنتْ بموسى وانشدّتْ إلى تلك الهدايةِ
التي جاء بها موسى وحينما كانت تحتَ ضغوطِ التعذيبِ الفرعونيِّ، والذي توفيتْ
بسببِه... جعلها تصرخُ إذ قالتْ « ربِّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من
فرعونَ وعملِه» فطلبتْ من الله تعالى أن يبنيَ لها بيتاً عندَه في الجنةِ...
والواقعُ أنّها طلبتْ الموتَ وأرادتْ أن تفارقَ الحياةَ... وأمّا السيدةُ زينبُ (ع)
فقد رأتْ بعينيها يومَ عاشوراءَ كلَّ أحبّتِها يسيرونَ إلى المذبحِ ويستشهدونَ...
ولكن مقابلَ كلِّ هذه المصائب لم تقلْ السيدةُ زينبُ(ع) للهِ تعالى: « ربِّ نجّني»،
بل قالتْ يومَ عاشوراءَ: «ربَّنا تقبّلْ منّا». رأتْ الجسدَ المبضَّعَ لأخيها
أمامَها فتوجّهَتْ بقلبِها إلى خالِقِ العالَمِ وقالتْ: «اللهمَّ تقبّلْ منّا هذا
القربانَ». وحينما تُسألُ كيف رأيتِ صنعَ اللهِ فيكِ؟ تقولُ: «ما رأيتُ إلا جميلاً».
3- اللسانُ المجاهدُ في سبيلِ اللهِ: لم يكنْ لزينبَ (ع) وفي الأسرِ من
سلاحٍ تواجه به سوى قوةِ البيانِ الذي ورثتهُ من أبيها أميرِ المؤمنينَ (ع) فواجهتْ
به في كلِّ المواطنِ خلالَ رحلةِ السبي مختلفَ الناسِ وبمختلفِ اتجاهاتِهم وتنوّعِ
مشاعرِهم، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ: «الخطبةُ الخالدةُ لزينبَ الكبرى في سوقِ
الكوفةِ لم تكنْ كلاماً عادياً، ولا تصريحاتٍ وأقوالاً دارجةً من شخصيةٍ كبرى،
إنّما كانت تحليلاً ضخماً لوضعِ المجتمعِ الإسلاميِّ في تلك الفترةِ عُرِضَ بأجملِ
الكلماتِ وبأعمقِ وأغنى المفاهيمِ في تلك الظروفِ». وفي كلامٍ آخرَ له يصفُ لسانَ
الطهرِ الزينبيِّ بعبارةٍ جامعةٍ: «اللفظُ صلبٌ كالفولاذِ، والمعنى سلسٌ كالماءِ
يصلُ إلى أعماقِ الأرواحِ».
ختاماً، نباركُ لكم جميعاً المولدَ المباركَ للسيدةِ زينبَ بنتِ أميرِ المؤمنينَ
(ع).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين