أولياء الله
عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): (إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ سَكَتُوا
فَكَانَ سُكُوتُهُمْ ذِكْراً، ونَظَرُوا فَكَانَ نَظَرُهُمْ عِبْرَةً، ونَطَقُوا
فَكَانَ نُطْقُهُمْ حِكْمَةً، ومَشَوْا فَكَانَ مَشْيُهُمْ بَيْنَ النَّاسِ بَرَكَةً،
لَوْلَا الآجَالُ الَّتِي قَدْ كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ لَمْ تَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي
أَجْسَادِهِمْ؛ خَوْفاً مِنَ الْعَذَابِ وشَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ)[1].
إنّ السعيَ للوصولِ إلى مقامِ أولياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ يتمُّ من خلالِ النظرِ في
صفاتِهم تارةً ومن خلالِ النظرِ إلى عاقبةِ أمرِهم أخرى.
المقامُ الأولُ: صفاتُ أولياءِ اللهِ
تعرّضَ الإمامُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) لصفاتِ هؤلاءِ الأولياءِ
وهي متعدِّدةٌ:
1- أهلُ التقوى: من أبرزِ صفاتِ هؤلاءِ الأولياءِ أنَّهم اتّخذوا التقوى
شعاراً، وهذه التقوى تنطلقُ من الخوفِ من اللهِ عزَّ وجلَّ الذي انعكسَ في حياتِهم
فهم كما يصفُهم (عليه السلام): (عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ حَمَتْ
أَوْلِيَاءَ اللَّهِ مَحَارِمَه - وأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَه - حَتَّى
أَسْهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ وأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ - فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ
بِالنَّصَبِ والرِّيَّ بِالظَّمَإِ)[2].
2- المعرفةُ بحقيقةِ هذه الدنيا: فهؤلاءِ الأولياءُ لم يُغرِهمْ ظاهرُ
هذه الحياةِ الدنيا ولا زينتُها، بل علموا حقيقةَ هذه الدنيا وأنَّ مصيرَها الزوالُ
والفناءُ، فأبصارُهم نفذتْ إلى باطنِ هذه الدنيا، يقولُ (عليه السلام): (إِنَّ
أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِنِ الدُّنْيَا - إِذَا
نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا)[3]، وهذا ما يُميِّزُهم عن سائرِ الناسِ من
أصحابِ الغفلةِ، أو ممن انقادَ لظاهرِ الدنيا ووقعَ في غرورِها.
3- السعيُ للآخرةِ والإعراضُ عن الدنيا: لقد نفذتِ المعرفةُ الصحيحةُ
بهذه الدنيا إلى قلوبِهم فجعلتْ كلَّ همِّهم في السعيِ للآخرةِ، ولذا يصفُهم الإمامُ
(عليه السلام) بقولهِ: (واشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا اشْتَغَلَ النَّاسُ
بِعَاجِلِهَا).
وذلك منهم لأنَّهم لم يتّبِعوا الأملَ الكاذبَ وأيقنوا بقربِ الآخرةِ: (واسْتَقْرَبُوا
الأَجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ - وكَذَّبُوا الأَمَلَ فَلَاحَظُوا الأَجَلَ)[4].
وأمّا إعراضُهم عن الدنيا فقد كان من خلالِ مبادرتِهم إلى قتلِ النفسِ الأمارةِ
بالسوءِ لأنَّهم علموا أنَّها هي التي تُميتُهم لو تركوها، وكذلك من خلالِ تركِ
متاعِ الحياةِ الدنيا لأنَّهم أدركوا أنَهم سيخرجونَ من هذه الدنيا ويتركونَها فلم
يتعلّقوا بها، يقولُ (عليه السلام): (فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَن
يُمِيتَهُمْ - وتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنَّه سَيَتْرُكُهُمْ).
المقامُ الثاني: عاقبةُ أولياءِ اللهِ
ويتحدّثُ الإمامُ عن العاقبةِ التي نالَها هؤلاءِ بما يمتلكونه من
صفاتٍ، وتتمثّلُ بالآتي:
1- الأمنُ من الوقوعِ في الشبهاتِ: لقد أورثتِ
التقوى أولياءَ اللهِ نوراً وبصيرةً حالتْ بينهم وبينَ الوقوعِ في الشبهاتِ، يقولُ
(عليه السلام): (وإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لأَنَّهَا تُشْبِه
الْحَقَّ - فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّه فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ -
ودَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى)[5].
2- الفوزُ في الدنيا والآخرةِ: ولذا يقولُ
الإمامُ واصفاً الدنيا بالنسبة إلى أولياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ: (مَتْجَرُ
أَوْلِيَاءِ اللَّهِ - اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ ورَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ)[6].
3- الحفظُ الإلهيُّ: فاللهُ عزَّ وجلَّ هو
الحافظُ أولياءَه ولذا يوصي الإمامُ بعضَ أصحابِه بقولِه: (لَا تَجْعَلَنَّ
أَكْثَرَ شُغُلِكَ بِأَهْلِكَ ووَلَدِكَ - فَإِنْ يَكُنْ أَهْلُكَ ووَلَدُكَ
أَوْلِيَاءَ اللَّهِ - فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَوْلِيَاءَه - وإِنْ يَكُونُوا
أَعْدَاءَ اللَّهِ - فَمَا هَمُّكَ وشُغُلُكَ بِأَعْدَاءِ اللَّه)[7].
[1] - الكافي- الشيخ
الكليني - ج 2 ص 237
[2] - الخطبة 114.
[3] - الحكمة 432.
[4] - الخطبة 114.
[5] - الخطبة 38.
[6] - الحكمة 131.
[7] - الحكمة 352.