الشهداء
ولقاء الله
رُويَ عنْ رسول الله (ص) أنّه قال: «أشرفُ الموتِ موتُ الشهداءِ».
ويَذكُرُ الإمامُ الخمينيُّ (قدّس سرّه) في كلامٍ له مبيّناً الصورةَ الحقيقيَّةَ
للقتل في سبيلِ الله بقوله: «لا يمكنُ للألفاظِ والتعابيرِ وصفُ أولئكَ الذينَ
هاجروا من دار الطبيعةِ المُظلمةِ نحوَ اللهِ تعالى ورسولهِ الأعظمِ، وتشرَّفوا في
ساحةِ قُدسِه تعالى».
والسرُّ في عظمةِ هذا الموتِ أنَّهُ يُعبّرُ بوضوحٍ عن : «أنَّ الحُجُبَ التي
فيما بيننا وبينَ اللهِ تعالى وتجليَّاتهِ، تنتهي هذه الحُجُبُ كلُّها إلى الإنسانِ
نفسِه، الإنسانُ هو الحجابُ الأكبـرُ وكلُّ الحجبِ الظلمانيّةِ أو الحُجُبِ
النوريّةِ تنتهي إلى الحجابِ الذي هو الإنسانُ بذاتِه، فنحن الحجابُ بين ذواتِنا
وبين وجهِ الله، فإذا أزالَ أحدٌ هذا الحجابَ في سبيلِ اللهِ، وانكسرَ الحجابُ بفضلِ
التضحيةِ بحياتِه، فإنّهُ يكونُ قدْ كسرَ جميعَ الحجبِ، مثلَ حجابِ الشخصيّةِ وحجابِ
الإنِّيَّةِ نعم، ينكسرُ هذا الحجابُ بالجهادِ والدفاعِ في سبيلِ اللهِ وفي سبيلِ
بلادِ اللهِ والعقيدةِ الإلهيّةِ».
إنَّ السفرَ الذي يطويهِ الشهيدُ بشهادتِهِ لهُ تلكَ الصورةُ التي يتلقّاها في
لحظاتِهِ الأولى منْ عالمِ الآخرةِ، حيث يدرِكُ الفوزَ، ولذا يَصِفُ الإمامُ
الخامنئيُّ موتَ الشهادةِ في سياقِ الموتِ الحتميِّ لكلِّ إنسانٍ على هذه الأرضِ
بأنّ: «الذين قدّموا هذا المتاعَ [الروح] في سبيلِ اللهِ، وبذلوا أرواحَهم لأجلِ
اللهِ هُمُ الأشخاصُ الذين باعوا واستعاضوا بذلك: فالشهيدُ يبيعُ روحَه، وفي
المقابلِ يحصلُ على الجنّةِ والرضى الإلهيِّ الذي هو أفضلُ الأجورِ. علينا أنْ ننظرَ
إلى الشهادةِ في سبيلِ اللهِ من هذا المنظار. الشهادةُ هي موتُ الأذكياءِ الفَطِنينَ
الذين لا يفقدونَ هذه الروحَ بدونِ ثمنٍ، فهي رأسمالُهم الأصليّ».
لقد أعدَّ اللهُ عزَّ وجلَّ لهمْ ما بذَلُوه وفضلاً عظيماً، فهم في الوصف القرآنيّ:
{أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
ولحياةِ الشهداءِ تجلّياتٌ متعدِّدةٌ؛ منها ما ذكرَه الإمامُ الخامنئيُّ بقوله:
«الشهيدُ هو الإنسانُ الذي يُقتَلُ في سبيلِ الأهدافِ المعنويَّةِ، ويُضحِّي بروحِهِ
- التي هي الجوهرُ الأصليُّ لكلِّ إنسان- لأجلِ الهدفِ والمقصدِ الإلهيّ. واللهُ
المتعالي يردّ هذا الإيثارَ والتضحيةَ العظيمةَ بأنْ يجعلَ ذِكرَ ذلكَ الشخصِ
وفكرَه حاضراً دائماً في أمّتهِ، ويبقى هدفهُ السامي حيّاً. هذه هي خاصيّةُ القتلِ
في سبيلِ الله. فالأشخاصُ الذينَ يُقتَلُونَ في سبيلِهِ يَحيَون، أجسادُهم تموتُ
ولكنّ وجودَهم الحقيقيَّ يبقى حيّاً».
ولأنَّ للشهادةِ عظمتَها في الفكرِ الإنسانيِّ عامّةً، فإنَّ كلّ أمّةٍ تُقدِّسُ
شهداءَها، وتتَّجهُ إلى الإحياءِ الدائمِ لِذكراهُم؛ لما يترتّبُ على ذلكَ من إحياءِ
قِيَمِها ومعتقداتِها، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ: «إحياءُ ذكرى الشهيدِ يعني
إضفاءَ الأصالةِ على أهدافِهِ والتّحبُّبَ إليها وتقديسَ ذلك الإيثار».
ويعدُّ الإمامُ الخامنئيُّ إحياءَ ذكرى الشهداءِ هو «حقُّ الشهداءِ الكبيرُ
علينا؛ لأنَّنا نوضِّحُ للجميعِ ثقافةَ الشّهادةِ ومكانةَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ».
ختاماً، نتوجَّهُ بأسمى آياتِ التهنئةِ للإمامِ صاحبِ العصرِ والزمانِ (عج) وللوليِّ
الفقيهِ وللمجاهدينَ جميعاً بالذكرى السنويّةِ للشهداءِ القادة، ونسألُ اللهَ أنْ
يَمُنَّ على أمَّةِ الإسلامِ بالنصرِ تلوَ النصرِ، ببركةِ دمائِهم الطاهرةِ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين