أنصا ر الحق
من كلامٍ لأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في الصالحينَ من أصحابِه: «أَنْتُمُ
الأَنْصَارُ عَلَى الْحَقِّ، والإِخْوَانُ فِي الدِّينِ، والْجُنَنُ يَوْمَ
الْبَأْسِ، والْبِطَانَةُ دُونَ النَّاسِ، بِكُمْ أَضْرِبُ الْمُدْبِرَ وأَرْجُو
طَاعَةَ الْمُقْبِلِ، فَأَعِينُونِي بِمُنَاصَحَةٍ خَلِيَّةٍ مِنَ الْغِشِّ،
سَلِيمَةٍ مِنَ الرَّيْبِ، فَوَاللَّه إِنِّي لأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ».
هذا الكلامُ صدرَ من أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) بعد أن منَّ اللهُ عزَّ وجلَّ
على أهلِ الحقِّ بالنصرِ على الناكثينَ في معركةِ الجملِ، ويتحدّثُ الإمامُ (عليه
السلام) عن الصفوةِ من الأصحابِ، معدّداً صفاتٍ أربع، وهذه الصفاتُ ترتبطُ
بعلاقتِهم بالقائدِ، وهذه العلاقةُ إذا تمّت واكتملت كانت الجماعةُ مؤهّلةً لنيلِ
النصرِ والسؤددِ، ويُعتبرُ من وظيفةِ القائدِ أنْ يبحثَ عن أصحابِ هذه الصفاتِ
ليجعلَهم معه، وأنْ يُنمّي هذه الصفاتِ في نفوسِهم ليكونوا قادةَ الناسِ، وهذه
الصفاتُ هي:
1- الأنصارُ على الحقِّ: فالحقُّ على الرغمِ من أنّه يملكُ القوةَ،
ولكنّه يحتاجُ لأنصارٍ ورجالٍ يحملونَ رايتَه ويدفعونَ عنه الباطلَ وبهم ينتصرُ،
وهذا يعني أنْ تعيشَ الجماعةُ الصالحةُ هدفاً محدّداً وواضحاً وهو الانتصارُ للحقِّ.
2- الإخوانُ في الدينِ: فالبنيةُ الإيمانيةُ الاجتماعيةُ لأهلِ الحقِّ
تقومُ على أساسِ الأخوّةِ، والمطلوبُ أن تكونَ سائدةً في علاقاتِهم مع بعضِهم البعض،
وهذه العلاقةُ هي التي تجعلُ تلك الصفوةَ ذاتَ قدرةٍ على التأثيرِ في الوصولِ إلى
الأهدافِ المنشودةِ.
3- الجُننُ يومَ البأسِ: والجُنّةُ هي الدرعُ التي تقي الإنسانَ المخاطرَ،
والأصحابُ الأصفياءُ والخلّصُ يكونونَ للقائدِ حمى يدفعُ عنه أن يصلَ إليه أيُّ تعدٍّ
أو ظلمٍ وكذلك على الأمّةِ التي تسيرُ خلفَ هذا القائدِ، لا سيّما عندما تشتدُّ
الأمورُ ويحشدُ أهلُ الباطلِ لمواجهةِ رأسِ الحقِّ.
4- البطانةُ للقائدِ دونَ الناسِ: فهم من تُدارُ بهم شؤونُ الأمّةِ،
ويتحلّقونَ حولَ القائدِ، ويكونونَ الأقربَ إليه، وهم أهلٌ لحملِ هذه الأمانةِ،
لأنهم ترفَّعوا عن مصالِحهم الخاصّةِ والشخصيّةِ، بل كان همُّهم الانتصارَ للدينِ،
ولذا كانوا عماداً لهذا القائدِ.
إنَّ هذه الصفاتِ إذا اجتمعتْ في الفئةِ المحيطةِ بالقائدِ أصبحتْ وكما وصفَها
الإمامُ (عليه السلام) الفئةَ التي يرجو فيها قطعَ دابرِ الفسادِ والظلمِ والتي
يؤملُ أنْ تكونَ القدوةَ والنموذجَ الحسنَ الذي يجعلُ الناسَ تُقبلُ إليه وترغبُ في
أنْ تكونَ معه.
وتتجلَّى معونةُ هذه الفئةِ للقائدِ بوسيلةٍ واضحةٍ هي النصيحةُ له، حيث ترى خيراً
أو مصلحةً أو رفعَ مفسدةٍ فإنّها تتوجّه لقائدِها بالرأي الذي يحملُ صفتين: أولاً،
أنّه رأيٌ لا غشَّ فيه فلا يُظهرُ غيرَ ما يُبطنُ، وثانياً أنْ لا تستبطنُ شكاً في
قدرةِ القائدِ على قبولِ النصيحةِ والعملِ بها، بل الاعتقادُ بأنّه أهلٌ لذلك.
وهذه الوظيفةُ لازمةٌ مهما كانت نيّةُ الإنسانِ في العملِ للهِ صادقةً، ومهما كان
مجدّاً ومجتهداً يقولُ (عليه السلام): «فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذَلِكَ
وحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْه، فَلَيْسَ أَحَدٌ وإِنِ اشْتَدَّ عَلَى رِضَا اللَّه
حِرْصُه، وطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُه، بِبَالِغٍ حَقِيقَةَ مَا اللَّهُ
سُبْحَانَه أَهْلُه مِنَ الطَّاعَةِ لَه».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين