[اللّهُمَّ ... وَلَيْلَةَ القَدْرِ وَحَجَّ بَيْتِكَ الحَرامِ وَقَتْلاً فِي سَبِيلِكَ فَوَفِّقْ لَنا وَصالِحَ الدُّعاءِ وَالمَسْأَلَةِ فَاسْتَجِبْ لَنا]
من الآدابِ والمستحباتِ المهمةِ في شهرِ رمضانَ التوجهُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بالدعاءِ، مع الوعدِ الإلهيِّ بالاستجابةِ كما وردَ في خطبةِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) «ودعاؤُكم فيه مستجابٌ»، وقد تضمّنت الأدعيةُ الواردة في شهرِ رمضانَ أنْ يتوجّهَ الداعي إلى اللهِ بطلبِ استجابةِ دعائهِ، وفي الفقرةِ المذكورةِ في أعمالِ كلِّ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ يتوجّهُ الداعي إلى اللهِ بطلبِ استجابةِ صالحِ الدعاءِ، وذلك لأنَّ الإنسانَ يدعو الله عزَّ وجلَّ بالحاجةِ وهو يرى أنّ فيها مصلحتَه، ونظراً لكونِ معرفةِ الإنسانِ محدودةً فهو يظنُّ أنَّ في هذا الطلبِ خيراً له ولكنّ اللهَ بسعةِ علمِه أعرفُ بمصالحِ عبادِه، فلا بدَّ وأنْ يتوجه الداعي في دعائهِ بطلبِ الحاجةِ أنْ يطلبَ أيضاً أنْ يكونَ قضاؤُها إنْ كانَ اللهُ قد قدَّرَ له فيها الخيرَ، وهذا هو المرادُ من طلبِ استجابةِ صالحِ الدعاءِ، وقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في نهجِ البلاغةِ في وصيتِه لولدِه الإمامِ الحسنِ (عليه السلام): «ورُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلَا تُؤْتَاه، وأُوتِيتَ خَيْراً مِنْه عَاجِلًا أَوْ آجِلًا، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَه فِيه هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَه، فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُه، ويُنْفَى عَنْكَ وَبَالُه».
وقد بيّنتِ الآيةُ الكريمةُ في سورةِ الإسراءِ: ﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولا﴾ أنْ العجلةَ هي التي تُوقَعُ الإنسانَ في طلبِ شيءٍ لا يكونُ فيه الخيرُ بل يكون فيه الشرُّ. ولذا فالمطلوبُ من الداعي:
1- أنْ يتروّى ويتفكَّر فيما يدعو به وينظَر في جهاتِ صلاحِه وفسادِه حتى يتبينَ له وجهُ الخيرِ فيما يريدُه من الأمرِ فيطلبُه ويسعى إليه، فقد وردَ أنَّ أميرَ المؤمنينَ (عليه السلام) سمعَ رجلاً يقولُ: اللهمَّ إنّي أعوذُ بك من الفتنةِ: «أراكَ تتعوذُ من مالِكَ وولدِكَ، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ..﴾ ولكنْ قلْ: اللهمَّ إنّي أعوذُ بك من مضلّاتِ الفتنِ».
2- أنْ لا يقصرَ الإنسانُ نظرَه في حاجاتِه إلى الحياةِ الدنيا، بل ينظر إلى ما يثمرُ له في الآخرةِ فوزاً وفلاحاً، فإنّه أولى من كلِّ ما يُمكنُ أنْ يصلَ إليه في هذه الدنيا.
3- أنْ يُحسنَ ظنَّه باللهِ عزَّ وجلَّ، ففي الحديثِ المرويِّ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «والذي لا إله إلا هو، لا يحسنُ ظنُّ عبدٍ مؤمنٍ باللهِ إلا كانَ اللهُ عند ظنِّ عبدِه المؤمنِ، لأنَّ الله كريمٌ بيدِه الخيرات، يستحيي أنْ يكونَ عبدُه المؤمنُ قد أحسنَ به الظنَّ ثم يُخلُف ظنَّه ورجاءَه، فأحسنوا باللهِ الظنَّ وارغبوا إليه».
وبهذا النحوِ على الداعي أنْ يتوجَّهَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ في ليلةِ القدرِ، وفي الليلةِ التاسعةِ عشرة منه وهي الليلة الأولى من ليالي القدرِ وقعَ ما أخبرَ به النبيُّ (صلى الله عليه وآله) حبيبَه عليّاً حيثُ وردَ في الروايةِ أنّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) بعدَ أنْ أنهى خطبتَه في استقبالِ شهرِ رمضانَ بكى فقالَ لهُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «يَا رسولَ اللهِ ما يبُكيكَ؟ فقالَ: يَا عليُّ أبكي لما يُستَحَلُّ منكَ في هذا الشهرِ كأنّي بِكَ وأنتَ تُصلّي لربِّكَ وَقَدْ انبعثَ أشقى الأوَّلينَ والآخرينَ شقيقُ عاقرِ ناقةِ ثمود فضربَكَ ضربةً على قرنِكَ فخضَّبَ منها لحيتَك قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السَّلامُ): فقلتُ: يَا رسولَ اللهِ وذلكَ في سلامةٍ من ديني؟ فقالَ (صلّى اللهُ عليه وآله): "في سلامةٍ من دينِك».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين