وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (ع): «إِذَا حُيِّيتَ بِتَحِيَّةٍ فَحَيِّ بِأَحْسَنَ مِنْهَا - وإِذَا أُسْدِيَتْ إِلَيْكَ يَدٌ فَكَافِئْهَا بِمَا يُرْبِي عَلَيْهَا - والْفَضْلُ مَعَ ذَلِكَ لِلْبَادِئِ» .
لا شكَّ في أنّ التحيةَ من الآدابِ الإسلاميّةِ المؤكدةِ، وقد وردَ وصفُ تحيّةِ أهلِ الجنّةِ الذين يعيشونَ الهناءَ والسرورَ بقولِه تعالى: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (يونس، 10)، وانطلاقاً من الآية المباركة ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبً﴾ (النساء، 86) كان تأكيدُ الإمامِ في كلامِه على أنْ تكونَ التحيّةُ الجوابيّةُ أحسنَ من التحيّةِ الابتدائيّةِ. وذلك لأنَّ التحيّةَ نحوٌ من الإحسانِ وبما أنّ المبادرَ إلى فعلِها له فضلٌ في مبادرتِه فإنَّ الإسلامَ أعطاها هذه العنايةَ تشجيعاً على الفضلِ ولما في التحيّةِ من إظهارِ الأمنِ، وقد روي عن رَسُولِ اللَّه (ص): «أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ وبِرَسُولِه مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ».
وقد أوصى أميرُ المؤمنينَ (ع) في عهدِه لمالكِ الأشترِ بالمساواةِ في التحيةِ من حيثُ اللحظةُ والنظرةُ أي الإلقاءُ والجوابُ، وذلك خلافاً لما قد يتفشّى إلى بعضِ أصحابِ المناصبِ والمكانةِ من التمييزِ بين الضعفاءِ والأقوياءِ فيخصُّ من كان من الفئةِ الأخيرةِ بتحيٍة مقترنةٍ بالتبجيلِ والتعظيمِ ولا يتجاوزُ المقدارَ الواجبَ لدى الطائفةِ الأولى، قال (ع): «وآسِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّحْظَةِ والنَّظْرَةِ والإِشَارَةِ والتَّحِيَّةِ - حَتَّى لَا يَطْمَعَ الْعُظَمَاءُ فِي حَيْفِكَ - ولَا يَيْأَسَ الضُّعَفَاءُ مِنْ عَدْلِكَ والسَّلَامُ». فبيّنَ الإمامُ (ع) مخاطرَ التمييزِ حتى في التحيةِ بأنّه سوفَ يؤدّي إلى أن يدخلَ اليأسُ في نفوسِ الضعفاءِ من العدلِ وهو منشودُهم وسوف يؤدّي إلى طمعِ أصحابِ المنافعِ في أخذِ ما لا يحقُّ لهم وهو غايتُهم.
كما إنَّ الإمامَ (ع) حثَّ عمّالَه على التعاملِ بلطفٍ في أخذهم للزكاةِ التي هي فرضٌ واجبٌ على من يملكُ المقدارَ المعلومِ من المالِ، وبدأ ذلك بملاحظةِ التحيةِ حيث يقولُ (ع): «فَإِذَا قَدِمْتَ عَلَى الْحَيِّ فَانْزِلْ بِمَائِهِمْ - مِنْ غَيْرِ أَنْ تُخَالِطَ أَبْيَاتَهُمْ - ثُمَّ امْضِ إِلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ والْوَقَارِ - حَتَّى تَقُومَ بَيْنَهُمْ فَتُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ - ولَا تُخْدِجْ بِالتَّحِيَّةِ لَهُمْ»، أي لا ينبغي أن يكونَ بخيلاً في التحيّةِ، بل يبذلهَا لما فيه من نشرِ السكينةِ في النفوسِ، لا سيما إذا كان يُقدمُ على أمرٍ غيرِ مرغوبٍ لدى بعضِهم.
إنَّ امتلاكَ الإنسانِ للسطوةِ والسلطةِ قد يذهبُ بهِ إلى أنْ يبخسَ الناسَ حقَّها في إفشاءِ السلامِ الذي وردَ الحثُّ عليه في الرواياتِ، ولذا كان التنبيهُ الخاصُّ لهؤلاءِ من قِبَلِ الإمامِ بالحثِّ على السلامِ على الجميعِ بعدلٍ وسويّةٍ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين