وردَ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): قالَ الحواريونَ لعيسى (عليه السلام): «يا روحَ اللهِ فمَنْ نُجالسُ إذاً؟ قالَ: مَنْ يُذكِّرُكم اللهَ رؤيتُه، ويزيدُ في علمِكم منطقُه، ويُرغِّبُكم في الآخرةِ عملُه».
مِنَ الوسائلِ الناجحةِ في تحصينِ المجتمعِ الإسلامي على المستوى الفرديِّ والاجتماعيِّ مراقبةُ الإنسانِ لمجالسِه التي يجتمعُ فيها مع غيرِه من الناسِ، وحرصُه على أنْ لا تخرجَ عن طاعةِ اللهِ إلى معصيتِه، ومن أهمِّ وسائلِ الوقايةِ أنْ ينظرَ إلى صفاتِ من يجتمعُ إليه، فإذا أحسنَ الاختيارَ أمِنَ من الضررِ.
ومتى كان أمرُ صلاحِ هذه النفسِ هدفاً لهذا الإنسانِ فإنَّ لذلك طرقَه ومن أهمِّها اختيارُ الشركاءِ في المجلسِ وقد وردَ عن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «مجالسُ الصالحينَ داعيةٌ إلى الصلاحِ».
وهذه المجالسُ التي يُحبُّها اللهُ عزَّ وجلَّ هي التي تنقلُ الإنسانُ من حالٍ إلى حالٍ، وترتقي به في سُلَّمِ الكمالِ وقد وردَ عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «لا تجلسوا إلّا عند كلِّ عالِمٍ يدعوكم من خمسٍ إلى خمسٍ: مِنَ الشكِّ إلى اليقينِ، ومن الرياءِ إلى الإخلاصِ، ومن الرغبةِ إلى الرهبةِ، ومن الكِبْرِ إلى التواضعِ، ومن الغِشِّ إلى النصيحةِ».
ويبلغُ تأثيرُ المجلسِ أن يبتعدَ أهلُ الهوى بالمؤمنِ عن إيمانِه في مجالسِهم، فينسى أنّه من المؤمنينَ وأنّ عليه العملَ بإيمانِه، بل يجعلونَ مجلسَهم محضراً من محاضرِ الشيطانِ، فكيف تتحقّقُ الاستعاذةُ منه والإنسانُ يُجالسُه من خلالِ مجالسةِ أهلِ الهوى، ولذا يُحذِّرُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) من ذلك بقوله: «مُجَالَسَةُ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلإِيمَانِ ومَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ».
وإذا كان المؤمنُ منهيّاً عن الحضورِ في مواطنِ التهمةِ، فإنّ من مواطنِ التهمةِ الجلوسَ مع غيرِ الأخيارِ، وذلك لأنّه يُسيءُ إلى سمعةِ المؤمنِ، وقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مُجالسةُ الأشرارِ تورثُ سوءَ الظنِّ بالأخيارِ، ومجالسةُ الأخيارِ تُلحقُ الأشرارَ بالأخيارِ، ومجالسةُ الفجّارِ للأبرارِ تُلحقُ الفجارَ بالأبرارِ».
بل الجليسُ يصبحُ علامةً يُعرف بها الإنسانُ، فإذا تردَّدَ حالُ إنسانٍ، تَعرِفُه من خلالِ معرفتِك بمن يُجالسُه، وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مَنِ اشتبهَ عليكم أمرُه ولم تعرفوا دينَه فانظروا إلى خلطائِه فإنْ كانوا أهلَ دينِ اللهِ فهو على دينِ اللهِ، وإنْ لم يكونوا على دينِ اللهِ فلا حظَّ لهم في دينِ اللهِ، إنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) كان يقولُ: «من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يواخينَّ كافراً ولا يخالطنَّ فاجراً».
ويُعدِّدُ الإمامُ زينُ العابدينَ(عليه السلام) في دعاءِ أبي حمزةَ الثمالي أسبابَ ابتعادِ الإنسانِ عن اللهِ عزَّ وجلَّ ومنها مجالسةُ البطّالينَ، وهم الذين تكونُ مجالسُهم بلا هدفٍ ولا غايةٍ فيقول (عليه السلام) في الدعاء: «أو لعلَّكَ فقدتني من مجالسِ العلماءِ فخذلتني، أو لعلَّكَ رأيتني في الغافلينَ فمِنْ رحمتِك آيستني، أو لعلَّكَ رأيتني آلفُ مجالسَ البطّالينَ فبيني وبينَهم خلّيتني».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين