من دعاءِ الإمامِ زينِ العابدينَ في مكارمِ الأخلاقِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَصُولُ بِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وأَسْأَلُكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وأَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ عِنْدَ الْمَسْكَنَةِ، ولَا تَفْتِنِّي بِالاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِكَ إِذَا اضْطُرِرْتُ، ولَا بِالْخُضُوعِ لِسُؤَالِ غَيْرِكَ إِذَا افْتَقَرْتُ، ولَا بِالتَّضَرُّعِ إِلَى مَنْ دُونَكَ إِذَا رَهِبْتُ، فَأَسْتَحِقَّ بِذَلِكَ خِذْلَانَكَ ومَنْعَكَ وإِعْرَاضَكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»
تحتوي الصحيفةُ السجاديةُ على مدرسةٍ متكاملةِ العناصرِ في التربيةِ الإيمانيةِ، والاستفادةُ منها تتوقفُ على التدبُّرِ في فقراتِها؛ ولذا يوصي الإمامُ الخامنئيُّ بذلك، يقولُ: «أوصيكم يا أيُّها الشبابُ بمطالعةِ الصحيفةِ السجاديةِ والتدبّرِ فيها. المطالعةُ الخاليةُ من الالتفاتِ والتدبّرِ غيرُ كافيةٍ. ستجدونَ مع التدبّرِ أنَّ كلّ دعاءٍ من أدعيةِ الصحيفةِ السجاديةِ هذه، ونفسَ دعاءِ مكارمِ الأخلاقِ هذا، هو كتابٌ يحتوي دروساً في الحياةِ والأخلاقِ».
وتحتوي هذه الفقرةُ على مفهومٍ في غايةِ الأهميةِ في البناءِ الذاتيِّ للفردِ المؤمنِ صاحبِ التوحيدِ الحقيقيِّ في الإتّكالِ والإعتمادِ على اللهِ عزَّ وجلَّ والإستغناءِ عن غيرِه، وقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «... وألجئْ نفسَكَ في الأمورِ كلِّها إلى إلهِك، فإنّك تُلجِئُها إلى كهفٍ حريزٍ، ومانعٍ عزيزٍ». وقد وضعَ الإمامُ زينُ العابدينَ الداعيَ أمامَ صورتين:
الصورة الأولى: ما ينبغي أنْ يكونَ عليه: ويعرضُ الإمامُ لحالاتٍ ثلاثٍ تعرضُ للإنسانِ في حياتِه: الضرورة، الحاجة والمسكنة، وفي هذه الحالاتِ ينبغي أنْ يكونَ الحضورُ الإلهيُّ متمكِّناً في نفسِ المؤمنِ، فحيثُ تنقطعُ أمامَ الإنسانِ السبلُ للإنتصارِ ورفعِ الحاجةِ التي يسعى للوصولِ إليها، فإنَّ عليه أنْ يلجأَ إلى اللهِ فيجعلَ القوةَ التي لديه منه عزَّ وجلَّ، وكذلك لا يتجهُ في طلبِ هذه الحاجةِ إلى غيرِه، بل لا يتضرَّعُ لغيرِه أي لا يُظهرُ تلك الحاجةَ بصورةِ الذليلِ إلى غيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وما على الإنسانِ أنْ يتمسَّكَ به في هذه الحالةِ هو إيمانُه بسعةِ القدرةِ الإلهيّةِ، وكونُ ما عداه مخلوقاً لا حولَ له ولا قوة، وفي الحديثِ المرويّ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «من انقطعَ إلى اللهِ كفاهُ اللهُ كلَّ مؤونةٍ، ومن انقطعْ إلى الدنيا وكلَه اللهُ إليها».
الصورة الثانية: ما ينبغي الحذرُ منه: ويعرضُ الإمامُ أيضاً لحالاتٍ ثلاثٍ هي الاضطرارُ، الفقرُ والخوفُ، والحذرُ ينبغي من أنْ يلجأَ الإنسانُ إلى غيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ في هذه الحالاتِ، فهذه الحالاتُ هي اختبارٌ يتعرّضُ له الإنسانُ ليعلمَ مكانةَ التوحيدِ في نفسِه فهل يلجأُ إلى غيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ؟ فمن تحصَّنَ إيمانُه بالتوحيدِ لا يستعينُ إلّا باللهِ عزَّ وجلَّ أو بالوسائلِ التي جعلَها أبواباً إليه، كما إنّ الخضوعَ أي التسليمَ والانقيادَ لا يكونُ إلّا إليه عزَّ وجلَّ، وقد وردَ عن الإمامِ الجوادِ (عليه السلام): «من انقطعْ إلى غيرِ اللهِ وكلَه اللهُ إليه».
وختامُ الفقرةِ بيانٌ لعاقبةِ الفشلِ في الاختبارِ والوقوعِ في المحذورِ عند اللجوءِ إلى غيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وهو الخذلانُ الإلهيُّ لهذا الإنسانِ والمنعُ من وصولِ الإحسانِ إليه والإعراضُ عنه.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين