لقد جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ أبواباً ليكونَ الإنسانُ محلّاً لمحبَّتهِ ونيلِ الدرجةِ الرفيعةِ لديه. ومن أهمِّ هذه الأبوابِ الإحسانُ إلى الناسِ كخُلْقٍ يتزيّنُ به الإنسانُ، قالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
ومن أعظمِ ما يوجبُ التحلِّي بخُلُقِ الإحسانِ إلى الناسِ أنْ يذكرَ الإنسانُ دوماً أنّه إنّما يعيشُ في ظلِّ إحسانِ اللهِ إليهِ، وأنّه لولا ذلك لم يكنْ شيئاً مذكوراً، قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾.
إنَّ الإنسانّ عندما يتولَّى المسؤوليّةَ والسلطةَ، وتصبحُ الأمورُ تحتَ تصرُّفِهِ وأمرِهِ ونهيه، يكونُ الإحسانُ مطلوباً آكدَ منه، قال الإمامُ عليٌّ (عليه السلام): «أحقُّ الناسِ بالإحسانِ مَن أحسنَ اللهُ إليه، وبسطَ بالقدرةِ يديه»، بل من الآفاتِ والعيوبِ التي قد يُبتلَى بها من يصلُ إلى السلطةِ، ووردَ التحذيرُ عنه في الرواياتِ، هي منعُه الإحسانَ إذا كان بغيرِ حقٍّ، بل لغاياتٍ شخصيّةٍ لا مبرّرَ لها، فعن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «آفةُ القدرةِ منعُ الإحسانِ».
وتتأكّدُ هذه الصفةُ أكثرَ إذا كان الإحسانُ سوفَ ينالُ أحداً قد أساءَ إليكَ سابقاً، فإنَّ في ذلك فضلاً زائداً للمحسنِ، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «الإحسانُ إلى المسيءِ أحسنُ الفضلِ»، وفي روايةٍ أخرى يُبيِّنُ الإمامُ أنَّ من الثمارِ المترتّبةِ على الإحسانِ إلى المسيءِ أنَّك بذلك تُعالجُ صفةَ الإساءةِ لديه، فلا يعودُ إليها، فعنه (عليه السلام): «أصلحْ المسيءَ بحسنِ فعالِك، ودلَّ على الخيرِ بجميلِ مقالِك».
ومن النتائجِ المترتبةِ على التحلّي بهذه الصفةِ، أنّها تورثُ المحبّةَ في نفوسِ الناسِ، وهذه المحبّةُ لمن يمدُّها بالإحسانِ مزروعةٌ في فطرةِ هذا الإنسانِ، فعن رسولِ اللهِ (ص): «جُبِلَتِ القلوبُ على حبِّ من أحسنَ إليها، وبغضِ من أساءَ إليها».
وكذلك الإحسانُ بابٌ من أبوابِ الاحترامِ بين الناسِ والمنزلةِ والمكانةِ لديهم، فعن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «احتجْ إلى من شئتْ تكنْ أسيرَه، واستغنِ عمّن شئت تكنْ نظيرَه، وأفضِلْ على من شئت تكنْ أميرَه».
بل هو حياةٌ لهذا الإنسانِ حتى لو خرجَ من هذه الدنيا، فالمحسنُ يذكرُه الناسُ بالخيرِ حتّى لو فارَقهم، فعن أميرِ المؤمنينَ(عليه السلام): «المحسنُ حيٌّ وإن نُقِلَ إلى منازلِ الأمواتِ».
ومن الضروريِّ أنْ يلتفتَ الإنسانُ إلى أنّ الإحسانَ إلى الناسِ على ما فيه من عظمةٍ وفضلٍ، فإنَّ المحافظةَ عليه أعظمُ وأشقُّ؛ وذلك لأنَّ في الإحسانِ أمراً يلحقُه فيجعلُه باطلاً وهو الامتنانُ، فعن عليٍّ (عليه السلام): «جمالُ الإحسانِ تركُ الامتنانِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين