عن الإمامِ الحسنِ (عليه السلام): «لا تواخِ أحداً حتى تعرفَ مواردَه ومصادرَه، فإذا استنبطتَ الخبرةَ ورضيتَ العِشرةَ فآخِه على إقالةِ العثرةِ والمواساةِ في العسرةِ».
العِشرةُ مكوّنٌ طبيعيٌّ من حياةِ الإنسانِ، فهو يأنسُ إلى بعضِ الناسِ ولعلَّ علاقتَه ببعضِهم تصلُ إلى الحدِّ الذي تزيدُ فيه عن أخوّة النسبِ، وقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ «رُبَّ أخٍ لك لم تلِدْه أمُّك»، ومن عظمةِ تعاليمِ دينِ الإسلامِ أنّه جعلَ لبناءِ الأخوّةِ بُعداً أخرويّاً، فقد وردَ عن النبيِّ الأعظمِ (صلى الله عليه وآله) أنَّه قالَ: «من جدّدَ أخاً في الإسلامِ بنى اللهُ له بُرجاً في الجنةِ». وعنه أيضاً: «استكثروا من الإخوانِ فإنَّ لكلِّ مؤمنٍ شفاعةً يومَ القيامةِ».
وتُرشِدُنا كلماتُ الإمامِ الحسنِ (عليه السلام) إلى عناصرَ ثلاثةٍ في الأخوةِ لا بدَّ من مراعاتِها وهي:
1- المعرفةُ قبلَ بناءِ الأخوّةِ: تهدفُ تعاليمُ الإسلامِ إلى بناءِ الأخوّةِ على قواعدَ تحفظُها عن الضياعِ، وقد أكّدَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) على التحذيرِ من تضييعِ الأخِ والصديقِ، فقد وردَ عنه: «أعجزُ الناسِ من عجِزَ عن اكتسابِ الإخوانِ، وأعجزُ منه من ضيّعَ من ظفرَ به منهم».
ومن وسائلِ حفظِ الأخوّةِ حسنُ الاختيارِ، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «من اتخذَ أخاً بعدَ حسنِ الاختبارِ دامتْ صحبتُه وتأكّدَتْ مودّتُه، من اتخذَ أخاً من غيرِ اختبارٍ ألجأهُ الاضطرارُ إلى مرافقةِ الأشرارِ».
ويُرشِدُنا الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) إلى وسائلِ الاختبارِ بما ورد عنه (عليه السلام): «لا تُسمِّ الرجلَ صديقاً وسمِّه معرفةً حتى تَخْبُرُه، بثلاثِ خصالٍ: حتى تُغضِبَه فتنظرَ غضبَه يُخرِجُه من حقٍّ إلى باطلٍ، وتسافرَ معه، وتَخْبُرُه بالدينارِ والدرهمِ».
2- العفو عن الخطأ: الإنسانُ في معرضِ الوقوعِ في العثراتِ والأخطاءِ، وقد يكونُ ذلك منه عن غفلةٍ أو عن عمدٍ أحياناً، والأخوّةُ الصادقةُ تفترضُ أن يكونَ العفو عن ذلك شاهدَ صدقٍ عليها، فالأخُ الحقيقيُّ هو الذي يصفُه أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) بقولِه: «إنَّ أخاكَ حقّاً من غفرَ زلَّتَك، وسدَّ خلَّتَك، وقَبِلَ عُذرَك». ومَنْ يعتمدْ منهجَ المحاسبةِ والمداقّةِ مع أخيه ويبتعدْ عن كلِّ مَنْ يُخطِئُ منهم فسوف يعيشُ القلّةَ في الأصدقاءِ، وقد روي عن الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مَنْ جانبَ الإخوانَ على كلِّ ذنبٍ قلَّ أصدقاؤه».
3- المواساةُ: وهي من أعظمِ المشاعرِ الإنسانيةِ الصادقةِ حيث يجدُ الإنسانُ عندَ الضيقِ والشدّةِ من بنى معه ميثاقَ الأخوّةِ إلى جانبِه يمدُّ إليهِ يدَ العونِ، وقد وردَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «الإخوانُ ثلاثةٌ: مواسٍ بنفسِه، وآخرُ مواسٍ بمالِه، وهما الصادقانِ في الإخاءِ، وآخرُ يأخذُ منك البُلغةَ، ويُريدُك لبعض اللذّةِ، فلا تعدّه من أهلِ الثقةِ».
بل الأخُ الصادقُ هو الذي يبادرُ إلى مدِّ يدِ العونِ دونَ طلبٍ، فقد وردَ عن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «لا يُكلِّفْ أحدُكم أخاه الطلبَ إذا عرَفَ حاجتَه».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين