عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إنَّ اللهَ كتبَ القتلَ على قومٍ والموتَ على آخرينَ، وكلٌّ آتيه منيتُه كما كتبَ اللهُ له، فطوبى للمجاهدينَ في سبيلِه، والمقتولينَ في طاعتِه».
لا شيءَ يتصفُ بصفةِ اليقينِ بوقوعِه في مستقبلِ كلِّ إنسانٍ كالموتِ، وهذا ما أشارَ إليه تعالى بقوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ والموتُ في حقيقتِه انقطاعٌ عن هذه الدنيا إلى عالمِ الآخرةِ، وبين موتٍ يختارُكَ وموتٍ تختارُه تظهرُ عظمةُ قتلِ الشهادةِ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ. فهي انتقالٌ تُقدِمُ عليه، وتجعلُه نصبَ عينيك دوماً ما دمتَ في صفِّ المجاهدينَ في سبيلِ اللهِ الذين هم أحباءُ للهِ عزَّ وجلَّ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾.
بل إنّ موتَ الشهادةِ هو توفيقٌ من اللهِ عزَّ وجلَّ ففي دعاءِ الافتتاحِ نقرأُ: «وَقَتْلاً فِي سَبِيلِكَ فَوَفِّقْ لَنا» وهو موتٌ فيه الكرامةُ من اللهِ عزَّ وجلَّ، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «إنَّ أكرمَ الموتِ القتلُ، والذي نفسُ ابنِ أبي طالبٍ بيدِه لألفُ ضربةٍ بالسيفِ أهونُ عليَّ من ميتةٍ على الفراشِ في غيرِ طاعةِ اللهِ».
ويذكرُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّهُ) الشهادةَ بقولِه: «الشهادةُ هي هديةٌ إلهيةٌ للمختارينَ. وعظمةُ هذا المقامِ الرفيعِ هي متناسبةٌ مع عظمةِ التضحيةِ الخالصةِ التي تأخذُ بيدِ الشهيدِ إلى ساحةِ الجهادِ وتُشربُه شهدَ الشهادةِ».
إنَّ إقبالَ الإنسانَ إلى الشهادةِ هو كإقبالِ العطشانِ إلى الماءِ، فكم يبردُ غليلُه عندما يرتشفُه، وكم يذهبُ عنه من عناء؟!، والشهيدُ كالذاهبِ إلى لقاءِ أحبائِه، فكم تأنسُ الروحُ بهذا اللقاء؟! وهكذا هو موتُ الشهادةِ، فقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «من رائحٌ إلى اللهِ كالظمآنِ يردُ الماءَ؟! الجنةُ تحتَ أطرافِ العوالي، اليومَ تُبلى الأخبارُ، واللهِ لأنا أشوقُ إلى لقائِهم منهم إلى ديارِهم».
ويصفُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّهُ) سيّد شهداءِ محورِ المقاومةِ الحاجَ قاسمَ سليماني في نعيه بأنّه «أمضى جُلَّ عمرِه بالجهادِ في سبيلِ اللهِ. الشّهادةُ كانت جزاءَ مساعيه الحثيثةِ طوالَ كلِّ هذه الأعوام».
وفي الرواية أعلاه يتحدّثُ الإمامُ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) عن السعادةِ التي ينالُها المجاهدُ والشهيدُ في طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهذه السعادةُ تتمثلُ بالخاتمةِ التي تُشكّلُ فوزاً في الآخرةِ، يقولُ (عليه السلام) في أحدِ أدعيتِه: «حمداً نسعدُ به في السعداءِ من أوليائِه، ونصيرُ به في نظمِ الشهداءِ بسيوفِ أعدائِه».
إنَّ أعظمَ دعاءٍ تتوجّهُ إليه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ لنفسِكَ ولمنْ تُحبُّ، أنْ تكونَ الخاتمةُ هي الشهادةُ، وفي ختامِ كتابِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) للأشترِ لما ولّاه مصرَ يقولُ: «وأنا أسألُ اللهَ بسعةِ رحمتِه وعظيمِ قدرتِه على إعطاءِ كلِّ رغبةٍ،... أن يختمَ لي ولك بالسعادةِ والشهادةِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين