عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّه لَيْسَ لأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا».
رأسُمالِ الإنسانِ في هذه الدنيا هو الحياةُ التي وهبَها اللهُ عزَّ وجلَّ له، وأمرَه بأنْ يستفيدَ منها في بناءِ الآخرةِ، وقد وردَ في العديدِ من الرواياتِ الحثُّ على عدمِ إضاعةِ الفرصةِ في هذه الدنيا، ومنها هذه الروايةُ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام)، والتي يُبيّنُ فيها أنّ هذه الحياةَ لا ثمنَ لها إلّا الجنّةُ، فكلُّ مَنْ لم يكنْ بيعُه لها مقابلَ الجنّةِ يكونُ من الخاسرينَ؛ لأنّهُ يكونُ بيعاً بلا ثمنٍ، قال تعالى: ﴿إِنَّ الله اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾.
إنّ أربحَ تجارةٍ في هذه النفسِ هي عندما يُقدّمُها الإنسانُ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فإنَّ المشتريَ هو اللهُ بأغلى ثمنٍ مضمونٍ، ويصفُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه) موتَ الشهادةِ بأنّه "موتُ الأذكياءِ"، يقول (دام ظلّه): «متاعُ النفسِ هذا يذهبُ منّا على إحدى صورتينِ: الأولى: أنْ نفقدَه والأخرى أن نبيعَه، فأيُّهما أفضل؟... إنَّ الذين يبذلونَ هذا المتاعَ في سبيلِ اللهِ ويضحّونَ بأنفسِهم في سبيلِه هم أولئك الذين باعوا أنفسَهم وحصلوا على مقابل... الشهادةُ تعني التجارةَ مع اللهِ المتعالِ؛ البضاعةُ فيها معلومةٌ وكذلك الثمنُ، هذه البضاعةُ التي تقدّمونَها أنتم بالشهادةِ، ليست بضاعةً أبديةً، إنّها بضاعةٌ من قبيلِ ذلك الثلجِ الذي يعرضُه بائعُ الثلجِ للبيعِ في فصل الصيفِ، ويقولُ: أيّها الناسُ اشتروا منّي هذا الثلجَ الذي هو رأسُمالٍ يذوبُ... هذه الحياةُ التي نملِكُها أنا وأنتم هي الثلجُ بعينه، إنّها تزولُ وتتلاشى ذرّةً ذرّةً؛ وقد وُجِدَ لهذه البضاعةِ مشترٍ، يقولُ لك: أنا أشتريها منك، وبأغلى وأعلى ثمنٍ، هو الجنة».
إنَّ الشهادةَ هي بذلٌ لهذه النفسِ، وهذا البذلُ قوامُه التخلّي عمّا تملكُه، ولكن كما يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «ليس فقط التخلّي عن المالِ والأملاكِ والرأسمالِ؛ هو التخلّي عن العواطفِ، الشهيدُ يتخلّى عن حنانِ الأمِّ وعن ظلِّ الأبِ عن بسمةِ الطفلِ... ويتوجّه لأداءِ المهمّة». وهذه المرحلةُ إنّما يصلُ إليها الإنسانُ بخطواتٍ، والخطوةُ الأولى التي يدعو إليها الإمامُ الخامنئيّ (دام ظلّه): «هي التخلّي عمّا هو أقلُّ من الروحِ، عن شيءٍ صغيرٍ، عن ميداليّةٍ، عن احترامٍ، عن قيمةٍ ماديّةٍ، عن بيتٍ جيّدٍ، عن سيارةٍ، عن مالٍ. إذا تمكّنا من التخلّي عن هذه الأشياءِ، نتخلّى بسهولةٍ عن الروحِ أيضاً».
وهؤلاء الذين تاجروا مع اللهِ عزَّ وجلَّ كانت حياتُهم في الدنيا قائمةً على أساسين: أنْ لا يطلبوا منها أكثرَ ممّا يكفيهم، وأن يستعملوا ما يصلُهم في الوصولِ الى آخرتِهم، وعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «والدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ، ولأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلَاءُ، وهِيَ حُلْوَةٌ خَضْرَاءُ، وقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ، والْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ، فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ، ولَا تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ الْكَفَافِ، ولَا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْبَلاغِ».
رزقَنَا اللهُ وإيّاكم حسنَ العاقبةِ وخاتِمةَ الشهادةِ في سبيلِه..
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين