قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال: 60).
تُشيرُ هذه الآيةُ الكريمةُ إلى أصلٍ مهمٍّ يجبُ على المسلمينَ التمسّكُ به في كلِّ عصرٍ وزمانٍ، وهو لزومُ الاستعدادِ العسكريِّ لمواجهةِ الأعداءِ من خلالِ امتلاكِ كلِّ مقدّراتِ القوّةِ وإعدادِ كلِّ عناصرِها الموجبةِ للانتصارِ في أرضِ المعركةِ.
ولذا، جاءَ القرآنُ الكريمُ ليُنبِّهَ المسلمينَ، ولا سيّما المجاهدينَ والمقاتلينَ في سبيلِ اللهِ، بأنْ لا ينتظروا هجومَ العدوِّ فيستعدُّوا عندئذٍ للمواجهِة، بل الواجبُ عليهم امتلاكُ القدرةِ والقوّةِ، والاستعدادُ اللازمُ لمواجهةِ هجماتِ الأعداءِ المحتملةِ.
والقوّةُ التي يتحدَّثُ القرآنُ الكريمُ عن ضرورةِ امتلاكِها لا تختصُّ بأجهزةِ الحربِ وأدواتِها والأسلحةِ الحديثةِ بحسبِ كلِّ عصرِ، بل تتّسعُ لتشملَ أنواعَ المقدَّراتِ كلِّها التي يكونُ لها الأثرُ البالغُ في تحقيقِ النصرِ على الأعداءِ، سواءٌ من الناحيةِ الماديّةِ والمعنويّةِ، ولذلك فإنَّ مظاهرَها وعناصرَها ليس فقط بكميّةِ السلاحِ ونوعِه، بل بامتلاكِ العزيمةِ والإرادةِ والثقةِ والتوكّلِ على اللهِ تعالى؛ لأنَّ المعنويّاتِ تسبقُ الماديّاتِ كعناصرَ مهمّةٍ في تحقيقِ النصرِ.
وهكذا الحالُ في بقيّةِ القوى والقدراتِ الاقتصاديّةِ والثقافيّةِ والسياسيّةِ التي تندرجُ تحتَ عنوانِ «القوّة».
وفي سيرةِ النبيِّ الأعظمِ (صلى الله عليه وآله) أنَّه قد بَلَغَهُ بأنَّ سلاحاً جديداً مؤثّراً صُنِع في اليمنِ أيّامَ معركةِ حنين، فأرسلَ (صلى الله عليه وآله) جماعةً إلى اليمنِ لشرائِه فوراً.
وقد حملَتْ الآيةُ الكريمةُ تعليماً خاصّاً بعصرِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله) الذي هو عصرُ نزولِ القرآنِ، وهو مفهومٌ عامٌّ جاءَ بمثالٍ واضحٍ لذلك العصرِ، ونقصدُ به قولَه تعالى: ﴿وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾، فالخيلُ كانت في ذلك الزمانِ من أهمِّ وسائلِ الحربِ لدى المقاتلينَ، حيث تتمُّ الاستعانةُ بها في الهجومِ والقتالِ، وكان لها الدورُ الهامُّ في حسمِ المعركةِ، وتُعتبرُ من التجهيزاتِ المهمّةِ، وأهميّتُها تشبهُ أهميَّةَ الطائراتِ والدباباتِ في عصرنا الحاضرِ.
وعلى هذه القواعدِ والأصولِ القرآنيّةِ تسيرُ الجمهوريّةُ الإسلاميّةُ المباركةُ، حيث باتتْ اليومَ تُشكِّلُ بفعلِ ما تمتلكُه من قدراتٍ وإمكانيّاتٍ لمواجهةِ قوّةِ أمريكا المتغطرسةِ، قوّةً عظمى تهابُها كلُّ قوى الاستعمارِ، والحصنَ المنيعَ الذي تلوذُ به شعوبُ العالمِ المستضعفةِ، مضافاً إلى ما تختزنُه من معنويّاتٍ عاليةٍ تسلّحَتْ بها بفعلِ الإيمانِ الراسخِ في قلوبِ أبنائِها ومجاهديها.
كما إنَّ القرآنَ الكريمَ عندما يؤكّدُ على لزومِ امتلاكِ المقدّراتِ والأسلحةِ، فليس ذلك من أجلِ استعبادِ الآخرينَ واستعمارِهم، بل لأجلِ نشرِ الحقِّ والعدلِ وإرهابِ الطغاةِ والظالمينَ وردعِهم عن أعمالِهم المسيئةِ، ولهذا علّلَ القرآنُ السببَ في ذلك بقولِه تعالى: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين