«إنّ سببَ هذا الانتصارِ الذي وصلتُم إليه هو أنّكم وثِقتُم بأنفسِكم وتيقّنتم بأنّكم تستطيعونَ، وتيقّنتُم أنَّ أمريكا لا يُمكنها أنْ تفرضَ عليكم شيئاً. وأدّت هذه الثقةُ لأنْ تقوموا بذلك العمل العظيم المعجزة».
هذا جزءٌ من كلامِ الإمامِ الخمينيِّ (قدّس سرّه) حولَ انتصارِ الثورةِ الإسلاميةِ المباركةِ، وقد شكّلَ مرورُ أربعينَ عاماً على هذا الانتصارِ وبدوامِ هذه الثقةِ والإيمانِ بالقدرةِ على مواجهةِ الشيطانِ الأكبرِ، محطةً لإعلانِ خطوةٍ أخرى في حياةِ هذه الثورةِ تُنبئُ عن مرحلةٍ جديدةٍ ستخوضُها في تقدّمِها نحو العالميةِ، وتتمثَّلُ في تقديمِ النموذجِ الإسلاميِّ الذي يُمكنُ أنْ يُشكِّلَ القدوةَ التي باتّباعِها تتمكَّنُ الشعوبُ والأممُ من تحقيقِ استقلاليتِها، ولذلك يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ: «إنَّنا قمنَا بثورةٍ إسلاميّةٍ، ثمَّ أقمْنَا نظاماً إسلاميّاً، ثمّ جاءَ دورُ إقامةِ الدولةِ الإسلاميّةِ، تليها إقامةُ دولٍ إسلاميّةٍ، ثمّ تأتي مرحلةُ قيامِ الحضارةِ الإسلاميّة العالميّة».
وصناعةُ هذا النموذجِ، وكما يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «يستدعي تحوّلاً منشوداً في النفوسِ البشريةِ والقيمِ والآليّاتِ الاجتماعيةِ، ولذا فهو عمليةٌ تدريجيةٌ وطويلةٌ وتابعةٌ للعزيمةِ...، والأهمُّ من كلِّ ذلك الفضلُ الإلهيُّ الذي سيمنُّ به على هذا الشعبِ إنْ شاءَ اللهُ بحولِه وقوّتِه الكبريائيينِ ضمنَ استمرارِ الثورةِ الإسلاميّةِ ودوامِها».
وهذا النموذجُ الذي أمضاه الوليُّ الفقيهُ بعد قيامِ لجانٍ متخصّصةٍ بإعدادِه يحتوي على عناصرَ متعددةٍ نشيرُ هنا إلى بعضٍ منها:
1- المعرفةُ الإلهيةُ: والتي تُعتبرُ الركيزةَ الأساسَ في نهضةِ الثورةِ الإسلاميةِ وفي تقديمِها للنموذجِ الإسلاميّ، ووتتمثّلُ في توحيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ ومعرفةِ صفاتِه وأنَّه وليُّ المؤمنين، معينُ المجاهدينَ في سبيلِ اللهِ، حامي المظلومينَ، المنتقمُ من الظالمينَ والموفي لوعدِه.
2- معرفةُ الإنسان لنفسِه: وخلافاً لكلِّ النظرياتِ الوافدةِ من الغربِ والتي تكونُ سبباً للتشاؤمِ، فإنَّ النموذجَ الإسلاميَّ يعتمدُ على أمرينِ في النظرةِ إلى الإنسانِ:
الأول: إنَّ هذا العالمَ مكانُ العملِ والاختبارِ وأرضيةٌ للتكاملِ والتعالي أو السقوطِ المعنويِّ الاختياريِّ للإنسانِ ووفقاً للسننِ الإلهيّةِ.
والثاني: إنَّه في حالِ الاستفادةِ الفاعلةِ والعادلةِ، ستؤمّنُ حاجاتِ الإنسانِ.
3- معرفةُ الإنسانِ للمجتمعِ: فلا بُدَّ من بناءِ مجتمعٍ صالحٍ يؤمِّنُ الظروفَ المناسبةَ لإطلاقِ هذا النموذجِ الإسلاميِّ، والعمدةُ الأساسُ في ذلك الثقافةُ والتي هي بمثابةِ الهويةِ والروحِ العامةِ للمجتمعِ المتجليةِ في أجزائِه وعناصرِه التكوينيةِ الصغيرةِ والكبيرةِ، وأهمُّ عنصرٍ فيه الأسرةُ التي تؤدّي دوراً فريداً في إنتاجِ وحفظِ ورقيِّ ثقافةِ المجتمعِ.
4- معرفةُ الإنسانِ بالدينِ: فالإسلامُ يملكُ القدرةَ على الإجابةِ على الحاجاتِ المستحدَثةِ زمنياً ومكانياً، في إطارِ الأسسِ والأصولِ الثابتةِ والراسخةِ، وعلى أساسِ الاجتهادِ في المجالاتِ العقائديةِ، الأخلاقيةِ والشريعةِ والاهتمامِ بالعناصرِ المرنةِ للفقهِ الإسلاميّ.
5- معرفةُ الإنسانِ بالوليِّ: فالفقيهُ العادلُ والشجاعُ والمقتدرُ هو ضمانةٌ كافيةٌ للسياساتِ وسنِّ القوانينَ والأنظمةِ القائمةِ على الإسلامِ، وطاعةُ هذا الوليِّ التي تُشكِّلُ امتداداً لطاعةِ اللهِ ورسولِه (صلى الله عليه وآله) بمقتضى الآيةِ المباركةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُم﴾ هي الضمانةُ لتطبيقِ هذا النموذجِ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين