قال تعالى: ﴿فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ* فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ (الشعراء: 61-63).
تُبرزُ هذه الآياتُ الكريمةُ المشهدَ الأخيرَ والختاميَّ لقصّةِ الصراعِ الذي وقعَ بين النبيِّ موسى (عليه السلام) وفرعون، وتُبيِّنُ كيفيّةَ هلاكِ فرعونَ وقومِه، ونجاةِ موسى (عليه السلام) ومنْ معه، والانتصارَ الذي حقّقَهُ بفعلِ الثقةِ والإيمانِ والتوكّلِ على اللهِ تعالى.
فقد حشدَ فرعونُ كلَّ الإمكاناتِ والطاقاتِ والمقاتلينَ وحرّكَهُم باتّجاهِ قومِ موسى (عليه السلام) لقتالِهم والقضاءِ عليهم نهائيّاً، وفي قبالِ ذلك، واجهَ موسى (عليه السلام) وقومُه بحراً متلاطمَ الأمواجِ ومن خلفهم جيش فرعون، وكانت لحظات صعبة وعسيرة تُنذر بهلاكهم وقتلهم.
لكنّ النبيّ موسى (عليه السلام)، وأمام ذُعرِ وخوفِ من معه، كان هادئاً مطمئنَ البال، وكانَ يعرفُ أنَّ وعدَ اللهِ هو في هلاكِ فرعونَ، فالتفتَ موسى (عليه السلام) إليهم بكمالِ الاطمئنانِ والثقةِ وقال: ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي﴾، وهو يشيرُ إلى وعدٍ سابقٍ له ولأخيه هارونَ من اللهِ تعالى حين أمرَهُما بإنذارِ قومِهما، إذ قالَ لهما: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ (طه: 46).
أمّا الانتصارُ الذي حقّقهُ موسى (عليه السلام) بفعلِ عقيدتِه الراسخةِ بأنَّ اللهَ معه، فقد تمثّلَ بتلقّيهِ الأمرَ الإلهيَّ بأنْ يضربَ البحرَ بعصاه لينفلقَ إلى شطرَينِ ويدخلَ مع قومِه إليهِ ويعبروا من خلالِه إلى حيثُ الأمانُ والنجاةُ، ومن ثُمَّ دخولُ جيشِ فرعونَ إلى البحرِ لتكونَ بذلك نهايتُهم، حيث غمرتْهُم المياهُ وغرِقُوا بأجمعِهم.
إنّه الإيمانُ والثقةُ باللهِ تعالى الذي معه تنقلبُ المعاييرُ كلُّها فيُهلِكَ الجبابرةَ والطغاةَ، وتنطوي صفحاتُ التاريخِ، ويشرقُ معها فجرُ الانتصارِ الإلهيِّ، ويتحوّلُ المهزومُ إلى منتصرٍ، ومن كان يرى النصرَ بمقدّراتِه الماديّةِ والعسكريّةِ إلى مهزوم.
وهكذا، فإنَّ نهايةَ الظلمِ والظالمِ لا بدَّ من أنْ تتحقّقَ، وقدرةَ اللهِ تعالى ستكونُ مع كلِّ مؤمنٍ مظلومٍ، ونتائجَ الثقةِ باللهِ المتجسّدةِ بقولِ موسى (عليه السلام): ﴿إِنَّ مَعِيَ رَبِّي﴾، هي القضاءُ على الطغاةِ والجبابرةِ كلِّهم الذين يتباهونَ بقدراتِهم العسكريّةِ والتسليحيّةِ، والذين يتمادونَ في قتلِ الشعوبِ وإذلالِها واحتقارِها كالذي تقومُ به أمريكا ومن يقفُ إلى جانبِها.
واللهُ تعالى هو الذي يُعزُّ من يشاءُ، ويذلُّ من يشاءُ، وهو الذي أنقذَ نبيَّه الأكرمَ محمّداً (صلى الله عليه وآله) عندما كان في الغارِ تُلاحِقُه أيدي الأشرارِ بقولِه (صلى الله عليه وآله): «لا تحزن إنّ الله معنا».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين