وردَ في مكاتبةِ الإمامِ صاحبِ العصرِ والزمانِ (عجل الله فرجه الشريف) للشيخِ المفيد: «ولو أنَّ أشياعَنا، وفّقهمُ اللهُ لطاعتِه، على اجتماعٍ مِنَ القلوبِ في الوفاءِ بالعهدِ عليهم، لما تأخّر عنهمُ اليُمْنُ بلقائِنا، ولتعجَّلتْ لهمُ السعادةُ بمشاهدتِنا على حقِّ المعرفةِ وصدقِها منهم بنا».
إنَّ أعظَمَ شغفٍ يعيشُه المنتظِرُ لخروجِ القائمِ من آلِ محمّد، هو التشرُّفُ بلقاءِ الإمامِ وقدْ منَّ اللهُ عزَّ وجلَّ على الأمَّةِ بظهورِه؛ ومن الطبيعيّ أنَّ مَن يضعُ أمراً مهمّاً كهذا هدفاً في حياتِه، فإنَّه سوفَ يَجهدُ ليلاً نهاراً لتحقيقِ جميعِ المقدّماتِ الممكنةِ للوصولِ إليه، وفي كلامِ الإمامِ الحجّةِ (عجل الله فرجه الشريف) للشيخِ المفيدِ بيانٌ واضحٌ لإحدى المقدّماتِ المهمّةِ لذلك، وهي «اجتماعُ القلوب».
والمرادُ من ذلك، أن يكونَ الأمرُ الشاغلُ لقلوبِ الناسِ جميعاً هو ما ذكرَه الإمامُ من الوفاءِ بالعهدِ، وهو العهدُ الذي يعطيهِ الإنسانُ في إيمانِه واعتقادِه به، وفي الدعاءِ المعروف: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَالذَّابِّينَ عَنْهُ، وَالْمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ، وَالمُمْتَثِلينَ لأَوَامِرِه، وَالْمُحَامِينَ عَنْهُ، وَالسَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ، وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ».
ولذا، فإنَّ كلَّ عملٍ يجعلُ قلوبَ الشيعةِ تجتمعُ على الوفاءِ بهذا العهدِ يكونُ مطلوباً، بل ويُفضَّلُ على الكثير من الأعمالِ الأخرى، ففي الروايةِ أنَّ أحدَ أصحابِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) سألَه: رجلٌ راويةٌ لحديثِكُم يبثُّ ذلكَ في الناسِ ويُشدِّدُه في قلوبِهم وقلوبِ شيعتِكُم، ولعلَّ عابداً من شيعتِكُم ليستْ له هذه الروايةُ، أيُّهما أفضل؟ قال: «الروايةُ لحديثِنا يَشدُّ به قلوبَ شيعَتِنا أفضلُ من ألفِ عابد».
ومن مظاهرِ هذا أنْ ترتفعُ الأصواتُ معاً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بالدعاءِ والتوسُّل، وقد وردَ أنَّ اجتماعَ القلوبِ على الدعاءِ مظنَّةٌ للإجابة، ففي وقتٍ واحدٍ يتوجَّه الناسُ جميعاً، وفيهمُ الصلحاءُ والأتقياءُ والأولياءُ والتائبونَ المطهَّرونَ الذين يحبُّهُمُ اللهُ، بالمسألةِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وقد مُدَّتِ الأعناقُ، وشَخَصتِ الأبصارُ بالتضرُّعِ والبكاءِ والابتهال، فهذا يكونُ سبباً لاستنزالِ الرحمةِ، واستمطارِ سحائبِ الجُودِ والكرم.
كما أنَّ من تجلياتِ ذلك تفريجُ همِّ المكروبِ من الناس، بقضاءِ حوائجِهم، ولا سيَّما عندَ اشتدادِ الفقرِ والحاجةِ إلى مُقوِّمات العيش، والخطوةُ الأولى في ذلكَ أنْ يشعرَ الناسُ بعضُهم ببعض؛ ففي الروايةِ عن الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَتَرِدُ عَلَيْه الْحَاجَةُ لأَخِيه فَلَا تَكُونُ عِنْدَه فَيَهْتَمُّ بِهَا قَلْبُه، فَيُدْخِلُه اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى بِهَمِّه الْجَنَّةَ».
وأمّا الخطوةُ الثانية، فتتمثَّلُ في السعي لقضاءِ تلك الحاجة، فعن الإمامِ الكاظمِ (عليه السلام): «إِنَّ لِلَّه عِبَاداً فِي الأَرْضِ يَسْعَوْنَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ، هُمُ الآمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ومَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُوراً فَرَّحَ اللَّه قَلْبَه يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
والخطوة الثالثة المكمِّلة، هي الوصول إلى قضاءِ تلك الحاجة، فعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً نَفَّسَ اللَّه عَنْه كُرَبَ الآخِرَةِ، وخَرَجَ مِنْ قَبْرِه وهُوَ ثَلِجُ الْفُؤَادِ، ومَنْ أَطْعَمَه مِنْ جُوعٍ أَطْعَمَه اللَّه مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، ومَنْ سَقَاه شَرْبَةً سَقَاه اللَّه مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين