عن أبي عبدِ اللهِ (عليه السلام) قالَ: «قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): الخلقُ عيالُ اللهِ فأحبُّ الخلقِ إلى اللهِ من نفعَ عيالَ اللهِ وأدخلَ على أهلِ بيتٍ سروراً».
من أعظمِ الدرجاتِ التي يُمكنُ أنْ ينالَها الإنسانُ أنْ يصلَ إلى مقامٍ يكونُ مشمولاً بالحبِّ الإلهيّ، أي يكونُ مِنَ الناسِ الذينَ يُحبُّهم اللهُ عزَّ وجلَّ، فكيف إذا كانت تلك المنزلةُ والمكانةُ أن يكونَ من ضمنِ من صنّفتْهُم الروايةُ بأنّهم «الأحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ».
وتُبيّنُ لنا الروايةُ المرويةُ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) البابَ الذي يتمكّنُ الإنسانُ من الدخولِ فيه للوصولِ إلى ذلك، وهو بابُ خدمةِ الناسِ وإيصالِ النفعِ إليهم ورفعِ حاجتِهم.
وفي تفسيرِ قولِ عيسى ابنِ مريمَ (عليهما السلام) فيما حكاه لنا القرآنُ الكريمُ: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنتُ﴾(مريم: 31) عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) أنَّ المباركَ هو الذي يكونُ نفّاعاً للناسِ.
وقد وردتِ الرواياتُ ببيانِ تفصيلِ تلك الحاجاتِ التي يُمكنُ من خلالِ العملِ على قضائِها أنْ يصلَ الإنسانُ إلى الفوزِ في الآخرةِ، ففي الروايةِ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «من أطعمَ مؤمناً من جوعٍ أطعمَه اللهُ من ثمارِ الجنةِ، ومن سقاهُ من ظماءٍ سقاهُ اللهُ من الرحيقِ المختومِ، ومن كساهُ ثوباً لم يزلْ في ضمانِ اللهِ عزَّ وجلَّ ما دامَ على ذلك المؤمنِ من ذلك الثوبِ سلك، واللهِ لقضاءِ حاجةِ المؤمنِ خيرٌ من صيامِ شهرٍ واعتكافِه».
والأمرُ المهمُّ الذي لا بُدَّ من الالتفاتِ إليه ضرورةَ أنْ يكونَ هذا العملُ مكتنفاً بأمورٍ:
1- أنْ يكونَ مقروناً بالعزّةِ والكرامةِ لأصحابِ الحاجاتِ: وهذا يُستفادُ أولاً من تعبيرِ الروايةِ عن الناسِ بأنَّهم «عيالُ اللهِ»، فقد أضافَهم الرسولُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ إكراماً لهم، ولذا وردَ التأكيدُ في الرواياتِ على كتمانِ المعروفِ الذي تقومُ به، فعن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «لا يستقيمُ قضاءُ الحوائجِ إلّا بثلاثٍ: باستصغارِها لِتعظُمَ، وباستكتامِها لتظهر، وبتعجيلها لتهنؤَ».
2- التعجيلُ بها: فإنَّ السرورَ بها لدى المحتاجِ عندما تصلُه في لحظة حاجتِه إليها، ولذا كانتِ المبادرةُ ضروريةً في قضاءِ الحوائجِ.
3- التعاونُ في قضائِها: كما إنَّ المعروفَ إذا لم يُمكنْكَ القيامُ به وحدكَ، فإنَّ عليك أنْ تدعوَ غيرَك من المؤمنينَ لتكونوا يداً واحدةً في إيصالِ العونِ للمحتاجِ، وفي الروايةِ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «لو جرى المعروفُ على ثمانينَ كفّاً لأُجِروا كلُّهم فيه، من غيرِ أنْ ينقصَ صاحبُه من أجرِه شيئاً».
إنَّ خدمةَ الناسِ هي من أبوابِ العبادةِ المفتوحةِ للوصولِ إلى مقامِ خدمةِ الحقِّ تعالى، يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قدّس سره): «لا تُلقِ عن كاهلِكَ حملَ المسؤوليةِ الإنسانيةِ التي هي خدمةُ الحقِّ في صورةِ خدمةِ الخلقِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين