فَتحَ اللهُ عزَّ وجلَّ للعبادِ أبوابَ رحمتِه، ووَعَدهُم بجزيلِ الثوابِ على امتثالهِم لما أَمَرَ به، والاجتنابِ عمَّا نهى عنه، ووعد السابقينَ منهم زيادةً في الحسنى، فجعلهم كما ورد في الآيةِ من المقرّبين.
والناسُ على ثلاثةِ أصنافٍ كما ورد في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ (فاطر: 32).
وتُرشِدُنا الآيةُ الكريمةُ بوضوحٍ إلى أنَّ السَّبْقَ يُدَوَّنُ في سِجِلِّ الأعمالِ إذا كان إلى الخيرات، وهو اسمُ جمع، فكلُّ مظاهرِ الخيرِ في هذه الدنيا من العبادةِ والطاعةِ والعِشْرةِ الحسنةِ والإحسانِ إلى الناسِ وقضاءِ الحوائجِ والجهادِ في سبيلِ اللهِ هي مصاديقُ للخيرات، وعلى الإنسانِ أن يكون سبّاقاً إليها.
والمقرَّبونَ أيضاً زُرعتْ محبةُ اللهِ في نفوسِهم، فكان كلُّ سعيِهم أن يحبَّهُم اللهُ عزَّ وجلَّ، وقد ورد في الروايةِ أنَّ عيسى(عليه السلام) مَرَّ بثلاثةِ نفرٍ قد نَحِلَتْ أبدانُهم وتغيَّرتْ ألوانُهم، فقال لهم: «ما الذي بلغ بكم ما أرى؟»، فقالوا: «الخوفُ من النار»، فقال: «حَقٌّ على اللهِ أن يؤمِنَ الخائف». ثم جاوَزَهم إلى ثلاثةٍ آخرين، فإذا هم أشدَّ نحولاً وتغيُّراً، فقال: «ما الذي بلغ بكم ما أرى؟»، قالوا: «الشوقُ إلى الجنة»، فقال: «حقٌّ على الله أن يعطيَكم ما تَرجُون»، ثم جاوزهم إلى ثلاثةٍ آخرين، فإذا هم أشدَّ نحولاً وتغيّراً كأنّ على وجوهِهِمُ المرايا من النور، فقال: «ما الذي بلغ بكم ما أرى؟»، فقالوا: «نحبُّ اللهَ عزَّ وجلَّ»، فقال: «أنتم المقرَّبون، أنتم المقرَّبون».
وإذا لاحظْنا الرواياتِ الواردةَ عن أهلِ البيتِ (عليهم السلامُ) في صفةِ أهلِ القرب، نجدُ أنّهمُ الذين امتَلكوا التالي:
1- الإيمانَ الصادقَ والتام: وهو الإيمانُ عن معرفةٍ ويقين، فعن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «أقربُ الناسِ مِنَ اللهِ سبحانه أحسُنُهم إيماناً».
2- الخُلُقَ الحسَن وَسَعَةَ الصدر: فعن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «إنَّ أقربَكم من اللهِ أوسعُكم خُلُقاً».
3- إتّباعَ الحقِّ دائماً: فعن الإمامِ عليّ (عليه السلام): «أقربُ العبادِ إلى اللهِ تعالى أَقْوَلُهم للحقِّ وإن كان عليه، وأعمَلُهم بالحقِّ وإنْ كان فيه كُرْهُه».
4- التواضعَ والاحترازَ عن التكبّر: فعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «فيما أوحى اللهُ عزَّ وجلَّ إلى داودَ (عليه السلام): يا داود، كما أنَّ أقربَ الناسِ من اللهِ المتواضعون، كذلكَ أَبْعَدُ الناسِ من اللهِ المتكبِّرون».
ومن أبوابِ السَّبْقِ أن يغتنمَ المؤمنُ الأوقاتَ التي جعل اللهُ عزَّ وجلَّ لها خصوصيّةَ القربِ منه، كشهرِ رمضانَ المبارك، حيث يمتاز عن سائرِ الشهورِ بقَبولِ الأعمالِ وجزيلِ الثواب، وحيث تكونُ الجوائزُ الإلهيّةُ مرصودةً لمنْ بادر وسارع إلى مغفرةٍ مِن ربّه.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين