عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، والْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ والْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ، ومَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْه بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، زِيَادَةٍ فِي هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى».
تعودُ مكانةُ القرآنِ الكريمِ ومنزلتُه في نفوسِ المؤمنينَ لكونِه الكتابَ السماويَّ الذي أكرمهُم اللهُ عزَّ وجلَّ بأنْ أنزلَهُ على نبيِّهم، وهم يرونَ كيفَ جعلَهُ اللهُ محفوظاً مصوناً من كيدِ الظالمين. وكلَّما ازدادَ الإنسانُ معرفةً بصفاتِ كتابِ اللهِ توثَّقَ ارتباطُه به، حتّى يكونَ الحاضرَ الدائمَ في حياةِ المؤمنين.
ويصفُه أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) بصفاتِ الجليس؛ أي الصديقَ الذي تأنسُ بالحديثِ معَه، وهذه الصفاتُ تتمثّلُ بالآتي:
1- الناصح: منْ أعظمِ صفاتِ الناصحِ هو أنْ يخلُصَ لك في النصيحة، فلا يُخفي عليك أمراً فيه فائدةٌ لك. والقرآنُ الكريمُ يرشدُنا في أمورِ الدنيا والآخرةِ إلى ما فيهِ مصالحُنا، كما يُحذِّرُنا ممَّا يوجِبُ لحوقَ الضررِ بنا، فيأمرُنا بالأخذِ بالطيِّباتِ، وينهانا عن المحرَّماتِ؛ لما فيها من ضررٍ.
2- الهادي: فالإنسانُ يواجِهُ في حياتِه أموراً لا يعلمُها ولا يدركُ حقيقتَها، والمؤمِنُ المتمسِّكُ بالقرآنِ يرجعُ إليه فيخرجُ من الجهلِ والحيرة؛ ففيه الدلالةُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، يقولُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «واعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ، ولا لأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى».
3- النافع والمفيد: القرآنُ هو كلامُ اللهِ عزَّ وجلَّ وحديثُه الذي يخاطبُ به خلقَه؛ ولذا كانَ دائمَ النفعِ للإنسان؛ فمن يتلو كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ بتدبّرٍ سوفَ يخرجُ بفائدتينِ: هدىً جديد لم يكنْ يعلَمُ به، ودلالةٌ على أمرٍ غامضٍ لم يكنْ يعلمُ بهِ.
وأمَّا الواجبُ علينا أمامَ هذه النعمةِ العظيمةِ، فهي أمورٌ ذكرَها أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) في كلامٍ آخرَ له، حيث يقولُ: «وتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّه أَحْسَنُ الْحَدِيثِ، وتَفَقَّهُوا فِيه فَإِنَّه رَبِيعُ الْقُلُوبِ، واسْتَشْفُوا بِنُورِه فَإِنَّه شِفَاءُ الصُّدُورِ، وأَحْسِنُوا تِلاوَتَه فَإِنَّه أَنْفَعُ الْقَصَصِ»
1- تعلُّمُ القرآنِ وفَهمُ آياتِه: من القراءةِ الصحيحةِ، إلى معرفةِ معاني كلماتِه، والاهتمامِ بتفسيرِ تلك الآياتِ بما وردَ عن المعصومينَ وعن العلماء الصالحين.
2- الإستشفاء به: إنَّ أمراضَ النفوسِ أشدُّ خطراً من الأمراضِ التي تُبتلى بها الأجسادُ، والقرآنُ الكريمُ هو الشافي من هذه الأمراضِ، ومن أعظمِ الأمراضِ أنْ يكونَ الإنسانُ تابعاً للشيطانِ الذي يذهب به في طرقِ الضلال، والقرآنُ هو الشافي منه، يقولُ أمير المؤمنينَ (عليه السلام): «فَإِنَّ فِيه شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ، وهُوَ الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلالُ».
3- التلاوة الصحيحة: وهي التلاوةُ التي تجعلُ كلماتِ القرآنِ نافذةً في القلوبِ، وقدْ وصفَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) المتَّقين بقوله: «تالِينَ لأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِه أَنْفُسَهُمْ ويَسْتَثِيرُونَ بِه دَوَاءَ دَائِهِمْ، فَإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وظَنُّوا أَنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وإِذَا مَرُّوا بِآيَةٍ فِيهَا تَخْوِيفٌ، أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين