بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (سورة الدخان: 1-6).
لقدْ خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ ليلةً في العامِ بأمرٍ تمتازُ بهِ عنْ باقي الليالي؛ وهذه الليلة قد وردَ التعبيرُ عنها في الآيةِ بأنّها مبارَكة، وهذه الخصوصيّةُ المميِّزةُ لها عن غيرِها تتمثَّلُ بحدثٍ جرى، وبحدثٍ آخرَ يجري في كلِّ عامٍ في تلك الليلة.
أمّا الحدثُ الذي جرى، فهو نزولُ القرآنِ الكريم؛ بابِ هدايةِ البشرِ إلى كمالِهم وسعادتِهم رحمةً من اللهِ عزَّ وجلَّ، وكما وصفهُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) بقولِه: «القرآنُ ظاهرُه أنيق، وباطنُه عميق، لا تفنى عجائبُه، ولا تنقضي غرائبُه، ولا تُكشَفُ الظَّلماتُ إلّا به».
وأمّا الحدثُ الذي يجري، فهو الحكمةُ الإلهيّةُ التي تتنزَّلُ بتقديرِ ما يجري على البشرِ جميعاً في عامِهم، وقدْ وردَ التعبيرُ عن ذلكَ في الآيةِ المباركةِ من أوائلِ سورةِ الدخانِ بأنّه رحمةٌ من ربِّك، فهي ليلةُ تنزُّلِ الرحمة، وبعدها جاءتْ صفةُ «السميع العليم»، ففي تلك الليلةِ أبوابُ السماءِ تُفتَّحُ لتصلَ إليها أصواتُ الداعين، فيُقدَّرُ لهم في عامِهم ما فيه الخيرُ لهم.
ومن هنا، كانتْ ليلةَ الدعاءِ والعبادةِ والتوجُّهِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، وقد وردَ أنّ الإمامَ الصادقَ (عليه السلام) كان: «يُوصِي وُلْدَه إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَاجْهَدُوا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّ فِيه تُقَسَّمُ الأَرْزَاقِ وتُكْتَبُ الآجَالُ، وفِيه يُكْتَبُ وَفْدُ اللَّهِ الَّذِينَ يَفِدُونَ إِلَيْه، وفِيه لَيْلَةٌ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ».
وتتنوَّعُ أعمالُ الخيرِ في هذه الليلةِ لتشملَ كلَّ عملٍ صالحٍ أُريدَ بهِ وجهُ اللهِ عزَّ وجلَّ، ففي الروايةِ قالَ نبيُّ اللهِ موسى (عليه السلام): «إلهي! أريدُ قُربَك، قال: قربي لمنِ استيقظَ ليلةَ القدر، قال: إلهي! أريدُ رحمتَك، قال: رحمتي لمنْ رحِمَ المساكينَ ليلةَ القدر، قال: إلهي! أريدُ الجوازَ على الصراطِ، قال: ذلكَ لمنْ تصدَّقَ بصدقةٍ ليلةَ القدرِ، قال: إلهي! أريدُ من أشجارِ الجنّةِ وثمارِها، قال: ذلك لمنْ سبَّحَ تسبيحةً في ليلةِ القدر، قال: إلهي! أريدُ النجاةَ من النار، قال: ذلك لمنِ استغفرَ في ليلةِ القدرِ، قال: إلهي! أريدُ رضاك، قال: رضائي لمنْ صلَّى ركعتَينِ في ليلةِ القدر».
وإذا كانتِ الشهورُ كلُّها للهِ عزَّ وجلَّ والأيّامُ كلُّها للهِ، فإنَّ خصوصيّةَ شهرِ رمضانَ أنّهُ شهرُ اللهِ، وأمّا ليلةُ القدرِ فهي قلبُ شهرِ رمضانَ، كما وردَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) أنّه قَالَ: «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ والأَرْضَ، فَغُرَّةُ الشُّهُورِ شَهْرُ اللَّه عَزَّ ذِكْرُه، وهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وقَلْبُ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين