عن الإمام الصادق عليه السّلام : «ما نَقل اللَّهُ عبداً مِن ذُلِّ المعاصي إلى عِزِّ الطاعةِ إلَّا أغناهُ مِن غيرِ مالٍ، وأعزّهُ مِن غيرِ عشيرةٍ ، وآنسَهُ مِن غيرِ بَشَر».
يبحثُ الإنسانُ بفِطرتِهِ عن سبلِ السعادة، ويتمنّى في ليلِهِ ونهارِه أن يكونَ في مأمَنٍ في حياتِهِ مِن كلِّ سوءٍ ومن كلِّ ما يعكِّرُ له صَفوَ العيش، والإسلامُ بتعاليمِهِ ومعارِفِهِ وتشريعاتِه وَضع للإنسانِ مِفتاحاً واضحاً لكلِّ ذلك، لو أمسكَ به الإنسانُ لدخلَ إلى عالَمٍ رحبٍ من الطمأنينة، وهذا المِفتاحُ يتمثّلُ بالعبوديةِ التامّةِ لله عزّ وجل. ويشكّلُ شهرُ رمضانَ المباركُ بما فيه من مظاهرِ الطاعةِ لله عز وجلَّ نقلةً في حياةِ الإنسان، ومَن عَمِلَ بجِدٍّ في شهره هذا فَحَقٌّ له ان تكونَ فرحتُه في يومِ العيدِ مصداقاً لما ورد عن اميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبلَ اللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ، وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ».
وفي الروايةِ الواردةِ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) توضيحٌ لثلاثِ نتائجَ مباشرة لمن وصل إلى مقامِ العبوديةِ لله، والذي هو عِزُّ الطاعة، وفي هذا تصحيحٌ لمفاهيمَ قد تكون مغلوطةً في اذهانِ الناس:
1- غنًى مِن غيرِ مال: يظنُّ بعضُ الناسِ أنّ بابَ الغنى هو امتلاكُ المال، وأنهُ بذلك يستغني الإنسانُ عن الناس، ولكنَّ الصحيحَ أنّ الغنى هو في طاعةِ اللهِ عز وجل، فالفقيرُ المطيعُ المتلبِّسُ بالعبوديةِ لله أغنى مِن صاحبِ المال؛ لأنّ هذا الفقيرَ يستندُ إلى مَن لا تنفدُ خزائنُه؛ أي إلى الله عز وجل، وأمّا مَن يستندُ إلى المال فهو يستندُ إلى زائلٍ يفنى.
2- عزٌّ مِن غيرِ عشيرة: العزيزُ هو الذي يكون في مأمَنٍ مِن أن يُنالَ بسوء، وأعظمُ بابٍ يجعلُ الإنسانَ في هذا الأمانِ هو ان يكونَ مطيعاً للهِ عز وجل؛ لأن المعصيةَ هي بابُ المنقصةِ والمهانة، فالمصدرُ الاساس لكلِّ عزٍّ هو عند الله، قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه﴾.
والخطوةُ الأساس في ذلك هو الاعتقادُ التامُّ بأنّ الامورَ بِيَدِ اللهِ عز وجلَّ وحدَه، كما ورد في قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
3- أُنسٌ مِن غيرِ بَشَر: طبيعةُ الإنسانِ ان يأنسَ إلى الناس، وهو إجتماعيٌّ بطبيعتِهِ التي خُلقَ عليها، فبالأصحابِ يخرجُ مِن وحشةِ الوحدة، ولكنّ الأنسَ الحقيقيَّ يتحقّقُ عندما يشعر الإنسانُ بحضورَ الله عز وجلَّ في حياتِهِ وبلطفِهِ وعنايتِهِ به، وبهذا لا يشعر الفقدَ والوحدةَ ابداً. وعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «اللهمَّ إنك آنسُ المؤانِسين لأوليائك . . . إنْ أوحشتهم الغربةُ آنسهم ذكرك ، وإن صُبَّت عليهم المصائبُ لجأوا إلى الإستجارةِ بك».
ففرصةُ هذا الشهر هي التوسلُ إلى اللهِ بالتالي: «مَوْلايَ بِكَ اسْتَعَنْتُ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَعِنِّي ، وَبِكَ اسْتَجَرْتُ فَأَجِرْنِي، وَأَغْنِنِي بِطاعَتِكَ عَنْ طاعَةِ عِبادِكَ ، وَبِمَسْأَلَتِكَ عَنْ مَسْأَلَةِ خَلْقِكَ ، وَانْقُلْنِي مِنْ ذُلِّ الفَقْرِ إِلى عِزِّ الغِنى ، وَمِنْ ذُلِّ المَعاصِي إِلى عِزِّ الطَّاعَةِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين