عن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) - في الدعاءِ : «وأعوذُ بكَ من نفسٍ لا تقنعُ، ومن بطنٍ لا يشبعُ، ومن قلبٍ لا يخشعُ».
وردَ في تعاليمِ أهلِ البيتِ (عليه السلام) الحثُّ على التحلِّي بصفاتٍ تجعلُ الإنسانَ في حصنٍ من زللِ المعاصي، وذلك بإبعادِ القوى الإنسانيةِ من الميلِ إلى الشهواتِ والإفراطِ في الاستجابةِ لهواها في المزيدِ من الغرائز، وفي هذا الدعاءِ عن الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) يُعلّمُنا كيف نلجأُ إلى الله عزَّ وجلَّ من الطغيانِ الذي يجمحُ بهذه النفسِ إلى الدخولِ في الآثامِ، وبيانَ النتيجةِ المترتّبةِ على ذلك:
فأولاً: يستعيذُ الداعي باللهِ عزَّ وجلَّ من النفسِ إذا لم تملكِ القناعةَ، وذلك لأنَّ النفسَ غيرَ القنوعِ تعيشُ الفقرَ دائماً، وقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) أنَّ منْ امتلكَ القناعةَ كفاهُ ذلك عن امتلاكِ أيِّ شيءٍ آخرَ، قال (عليه السلام): «كَفَى بِالْقَنَاعَةِ مُلْكاً وبِحُسْنِ الْخُلُقِ نَعِيماً»، وسُئِلَ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِه تَعَالَى: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّه حَياةً طَيِّبَةً﴾، فَقَالَ: «هِيَ الْقَنَاعَةُ».
وهذه القناعةُ إذا تحلَّى بها الإنسانُ استفادَ منها في أنْ يسعى في رزقِه دونَ أنْ يصلَ في الحرصِ على ذلك إلى حدِّ الشقاءِ، وأنْ لا يطلبَ من الناسِ شيئاً فيكون غنياً عنهم، فعن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): ثمرةُ القناعةِ الإجمالُ في المكتسبِ والعزوفُ عن الطلب.
وثانياً: يستعيذُ الداعي من البطنِ إذا كانت لا تصلُ إلى حدِّ الشبع، فالإنسانُ المفرِطُ في الطعامِ أو في طلبِ الدنيا لا يُمكنُه أنْ يخطوَ في طريقِ الصلاحِ، فعن أميرِ المؤمنين (عليه السلام): «إذا أرادَ اللهُ سبحانه صلاحَ عبدِه ألهمَهُ: قلّةَ الكلامِ، وقلّةَ الطعامِ، وقلّةَ المنام». والأخطرُ من هذا أنْ يشبعَ الإنسانُ ولكنّه لا يتوقّفُ عن النَّهمِ للطعامِ، وقد وردَ عن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «ليس شيءٌ أضرَّ لقلبِ المؤمنِ من كثرةِ الأكلِ، وهي مورثةٌ لشيئين: قسوةِ القلبِ، وهيجانِ الشهوة». وأوسعُ بابٍ لارتكابِ المعاصي والخروجِ عن العبوديةِ للهِ عزَّ وجلَّ يتمثّلُ في هذينِ الأمرينِ أي قسوةِ القلبِ وهيجانِ الشهوة.
وثالثاً: يستعيذُ الداعي من القلبِ إذا كان لا يصلُ إلى حالةِ الخشوعِ، وذلك عندما يُصبحُ القلبُ في حالةِ القسوةِ فلا يؤثّرُ فيه ذكرُ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يعيشُ الخوفَ منه تعالى، قال عزَّ وجلَّ: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾. وإنّما كان الخشوعُ مطلوباً في الأساس للقلبِ لأنّه مفتاحُ خشوعِ سائرِ الجوارحِ، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «ليخشعْ للهِ سبحانَهُ قلبُك، فمنْ خشعَ قلبُه خشعتْ جميعُ جوارحِه».
ولذا فالفرصةُ متاحةٌ بعد الشهرِ المباركِ وفي الأشهرِ المعروفةِ بأشهرِ الحجِ (شوال، ذو القعدة وذو الحجة) ليواصلَ الإنسانُ مسيرَ قربِه من اللهِ عزَّ وجلَّ بالعملِ الصالح.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين