مِنْ كلامٍ لأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) لبعضِ عمّاله: «فَاسْتَعِنْ بِاللَّه عَلَى مَا أَهَمَّكَ، واخْلِطِ الشِّدَّةَ بِضِغْثٍ مِنَ اللِّينِ، وارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ، واعْتَزِمْ بِالشِّدَّةِ حِينَ لَا تُغْنِي عَنْكَ إِلَّا الشِّدَّةُ».
يرتبطُ الإنسانُ بالمحيطِ الذي يعيشُ فيه، يعتمدُ عليه في الوصولِ إلى غاياتِه وقضاءِ حوائجِه، يأنسُ إلى فئةٍ منَ الناسِ الذينَ ينسجمُ معهم، ويتولّى شأنَ جماعةٍ من الناسِ ولو على مستوى أسرتِه الصغيرة، وفي هذا كلِّه أبوابٌ مِنَ الاختلافِ في الرأيِ أو الخطأ الذي يصدرُ عن الغير.
ويعلّمُنا الإسلامُ كيف نتعاملُ مع ذلك، مؤكّداً أنّ عنوانَ الرفقِ هو ما ينبغي أن يكونَ الخطوةَ الأولى في المعالجة، وأنْ يبقى حاضراً فلا ينتقلُ الإنسانُ إلى الشدّةِ إلّا حيثُ لا ينفعُ غيرُها، كما ذكرَ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) : «وارْفُقْ مَا كَانَ الرِّفْقُ أَرْفَقَ».
والرِّفقُ هو التعاملُ باللينِ واللطفِ والمداراةِ والمودّةِ بما تتقبّلُه النفوسُ، ولا تنفرُ منه أو تشعرُ بالظُلامةِ حتّى لو صدرَ عنها خطأٌ أو وقعتْ في هفوة، ومقابلُه التعاملُ بالشدّةِ والعنفِ والقسوة.
ومن الثمار المترتّبة على هذا الأسلوبِ الحسنِ في التعاملِ، ما وردَ في الرواياتِ عن النبيِّ وأهلِ بيتِه (عليهم السلام):
1- أنّ الناسَ تقابلُ الرفقِ بالمودَّة: فإذا كانت المودّةُ قائمةً بينكَ وبينَ غيرِك، فدوامُها بالرفقِ بهم، يقول أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): «ومَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُه، يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِه الْمَوَدَّةَ».
2- كثرةُ الأعوانِ والأصدقاءِ: فالإنسانُ الذي يكونُ طبعُه المودّةَ للناسِ، واللينَ في المعاملةِ معهم، سوفَ يكثرُ أعوانُه ومحبُّوه، يقول (عليه السلام): «مَنْ لَانَ عُودُه كَثُفَتْ أَغْصَانُه».
3- أنّ الرفقَ بابٌ من أبوابِ الوصولِ إلى الغاياتِ: وذلك من خلالِ جَعلِ الأشياءِ محبَّبةً للناسِ، وإنْ كانتْ نفوسُهم لا تميلُ إليها، فإقناعُ إنسانٍ ما بالتنازلِ عنِ الحقِّ لصالحِ أخيهِ قد يكونُ ثقيلاً على النفسِ، ولكن بالرفقِ تصلُ إليه، فالرِّفقُ يضفي عليه جمالاً يجذبُ القلوب، فقد ورد عنِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «إنَّ الرفقَ لم يوضعْ على شيءٍ إلّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلّا شانَه»، وعن الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مَنْ كانَ رفيقاً في أمرِه نالَ ما يريدُ من الناس».
4- أنّ الرفقَ بابٌ من أبوابِ الأجرِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ: فقد روي عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «ما اصطحبَ اثنانِ إلّا كانَ أعظمُهما أجراً وأحبُّهما إلى اللهِ عزَّ وجلَّ أرفقهَما بصاحبِه».
5- أنَّ الرفقَ بالناسِ بابٌ لنيلِ الرفقِ من اللهِ عزَّ وجلَّ: ففي الروايةِ عنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) من وصايا الخضرِ لموسى (عليه السلام): «ما رفقَ أحدٌ بأحدٍ في الدنيا إلّا رفقَ اللهُ عزَّ وجلَّ به يومَ القيامة».
إنَّ الحاجةَ إلى اعتمادِ أسلوبِ الرفقِ تتأكَّدُ أكثرَ عند اشتدادِ المصاعبِ والابتلاءاتِ على الناس؛ لأنَّ النفوسَ تهدأُ بذلك، وتشعرُ بالطمأنينةِ، وهو بابُ الغلبةِ على كلِّ معاناة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين