سُئلَ الإمامُ الرضا (عليه السلام) عن خيارِ العبادِ فقال: «الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا اُعطُوا شَكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا غضبوا عَفَوا».
خَمسُ خصالٍ للعبادِ الذينَ همُ الصفوةُ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهي الصفاتُ التي تجلّت في أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، وتشكّلُ عنواناً لمن هو مِن شيعتِهِم ومحبّيهِم، وفي هذه الخصالِ حالاتٌ تُعرَضُ عليهم، ولا بدّ لهم مِن مبادلتِها بالموقِفِ الصحيحِ الذي ينقُلُهم إلى درجةٍ أعلى مِنَ القربِ والفوز:
- الحسنى في الدنيا، بشارةٌ للمؤمن: عندما يُكتَبُ للإنسانِ التوفيق، فيقومُ بفعلٍ فيه الخير، ومِن أعظمِهِ الإحسانُ إلى الغير، يعيشُ الفرحَ في داخلِه؛ وذلك لأنهُ ينالُ بذلك أعظمَ ما يطمَعُ به العبد، وهو حُبُّ مولاه، قال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، كما أنّه يستبشرُ بالنظرِ إلى الجزاءِ والأثرِ الدنيويِّ والأخرويِّ المترتِّبِ على ذلك، ﴿وَقِيلَ لِلّذِينَ اتّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ، قَالُواْ خَيْراً، لّلّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الْدّنْيَا حَسَنَةٌ، وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ، وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتّقِينَ﴾.
- تدارُكُ الخطأِ بالاستغفار: إذا صَدرتْ عن خيارِ العبادِ في ساعةِ غفلةٍ معصيةٌ أو ذنبٌ، لم يُهمِلوا ذلك، بل بادَروا إلى طلبِ العفوِ والمغفرةِ من الله؛ وذلك لأنّ ذِكرَ اللهِ حاضرٌ في قلوبِهِم، فلا تطولُ ساعةُ الغفلةِ في نفوسِهِم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. وإذا كانتِ المعصيةُ لقبحِها تسيءُ إلى الإنسان، فإنَّ إزالةَ ذلك القبحِ يكونُ بالاستغفار، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «تعطَّروا بالاستغفار، لا تفضحُكم روائحُ الذنوب».
- مبادلةُ النعمِ بالشكر: فخِيارُ العبادِ يدركونَ تماماً أنّ العطاءَ كلَّه منَ اللهِ عزَّ وجلَّ الذي بيدِه خزائنُ السمواتِ والأرضِ؛ لذا، فهم يتوجّهونَ عندَ النعمةِ إلى اللهِ بالشكرِ له، وقد وصفَ اللهُ خليلَه إبراهيمَ بالثناءِ عليهِ بصفةِ الشكرِ بعد التوحيد، قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ، اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾. وأعظمُ بابٍ للشكرِ أداءُ حقِّ تلك النعمِ من خلالِ التصرُّفِ فيها فيما أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ به، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «شكرُ النعمةِ اجتنابُ المحارم، وتمامُ الشكرِ قولُ الرجل: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين».
- الصبرُ عند البلاء: يدركُ المؤمنُ –تماماً- أنَّ طبيعةَ هذه الدنيا محفوفةٌ بالبلاء، وأنّ هذا البلاءَ يكونُ بالخيرِ والشرّ؛ أمّا الخيرُ فهو بلاءٌ؛ لأنّ المؤمنَ يدركُ أنّ عليه مسؤوليّةَ القيامِ بحقِّ ذلك، وأمّا الشرُّ فلكي يعلمَ أنّ عليه الصبرَ عليه، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾. وكلّما عظُمَ البلاءُ أوِ اشتدَّ، استبشرَ المؤمنُ بأنَّ ثوابَه إذا صبرَ سوفَ يكونُ أعظمَ، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «كلّما كانتِ البلوى والاختبارُ أعظمَ، كانتِ المثوبةُ والجزاءُ أجزلَ».
- العفو عند الغضب: إنّ أعظمَ بابٍ يحثُّ الإنسانَ على العفوِ هو أنْ يعلمَ أنَّ ثوابَ العفوِ هو عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾، وفي الروايةِ عنْ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «إذا أُوقِفَ العبادُ، نادى منادٍ: لِيَقُمْ مَن أجرُه على اللهِ، وَلْيدخلِ الجنّة، قيل: مَن ذا الذي أجرُه على الله؟ قال: العافونَ عنِ الناس»
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين