رُوِيَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السَّلامُ) جَاءَهُ رَجُلٌ وَقَالَ: «أَنَا رَجُلٌ عَاصٍ وَلَا أَصْبِرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، فَعِظْنِي بِمَوْعِظَةٍ!» فَقَالَ (عليه السَّلام): «افْعَلْ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ! فَأَوَّلُ ذَلِكَ: لَا تَأْكُلْ رِزْقَ اللَّهِ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ! وَالثَّانِي: اخْرُجْ مِنْ وَلَايَةِ اللَّهِ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ! وَالثَّالِثُ: اطْلُبْ مَوْضِعاً لَا يَرَاكَ اللَّهُ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ! وَالرَّابِعُ: إِذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَكَ، فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ! وَالْخَامِسُ: إِذَا أَدْخَلَكَ مَالِكٌ فِي النَّارِ، فَلَا تَدْخُلْ فِي النَّارِ وَأَذْنِبْ مَا شِئْتَ».
مِن أبوابِ تنبيهِ الإنسانِ مِن غفلتِهِ التي توقِعُهُ في ارتكابِ المعاصي أن يكونَ ذاكراً لله -عزَّ وجلَّ- في كلِّ حين، وقد وَرَدَ في الكتابِ الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾، فالخُسرانُ يقعُ حيثُ تكونُ الغفلةُ عن ذِكرِ الله. وَلِذِكرِ اللهِ أبوابٌ كثيرة، والروايةُ تشيرُ إلى حالاتٍ خَمسٍ ملازِمةٍ للإنسان، وهو لا يملِكُ حِيالَها شيئاً، وهي:
1. لَا تَأْكُلْ رِزْقَ اللَّهِ: لا تمرُّ لحظةٌ على الإنسانِ في هذهِ الحياةِ إلّا وهو يعيشُ في ظِلِّ نِعَمِ اللهِ عليه، ومَن أدركَ أنهُ كذلك، وَجَبَ عليه شُكرُ هذا المنعمِ عليه، والاجتنابُ عن معصيتِه، ولذا كانتِ المعصيةُ للهِ -عزَّ وجلَّ- كفراناً لهذه النِّعَم، قال تعالى: ﴿وضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مِطْمَئِنَّة ًيأتيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَها اللهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾، وعن رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّم): «أَسْرَعُ الذُّنُوبِ عُقُوبَةً كُفْرَانُ النِّعْمَةِ».
2. اخْرُجْ مِنْ وَلَايَةِ اللَّهِ: فأَمْرُكَ أيّها الإنسانُ في كُلِّ شيءٍ بِيَدِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-؛ لأنَّكَ عبدٌ مملوكٌ للهِ -عزَّ وجلَّ-، فهو الذي خَلَقَك، وخالقُ الأشياءِ مالِكُها، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ﴾.
3. اطْلُبْ مَوْضِعاً لَا يَرَاكَ اللَّهُ: قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. وللاعتقادِ بأنَّ اللهَ معَ الإنسانِ دائماً ثمارٌ تربويّةٌ عديدة، ومنها أنهُ يَردَعُ الإنسانَ عنِ المعصية، فعن رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) أنه قال: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ إِيمَانِ المرءِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ».
4. إِذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ فَادْفَعْهُ: قالَ تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾.
وَوَرَدَ في بعضِ الرواياتِ فيما وَعَظَ بهِ لقمانُ ابنَهُ أَنْ قال: «يَا بُنَيَّ، إِنْ تَكُ فِي شَكٍّ مِنْ الْمَوْت، فَارْفَعْ عَنْ نَفْسِكَ النَّوْم، وَلَنْ تَسْتَطِيعَ ذَلِكَ».
5. إِذَا أَدْخَلَكَ مَالِكٌ فِي النَّارِ فَلَا تَدْخُلْ: ولن تستطيعَ وذلك؛ لأنَّ كلمةَ العذابِ استحقَّها صاحبُ المعصية، قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين