عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «حَتَّى أَفْضَتْ كَرَامَةُ الله سُبْحَانَه وتَعَالَى إِلَى مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ -الأصول- مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه، عِتْرَتُه خَيْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَيْرُ الأُسَرِ، وشَجَرَتُه خَيْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِي حَرَمٍ، وبَسَقَتْ فِي كَرَمٍ».
لقد كانتْ سُنَّةُ الأئمّةِ (عليهمُ السلام)، وأهلِ بيتِ النبوّة، التعظيمَ والتبجيلَ لرسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) ، وبيانَ فضائِلِهِ وخصائصِ شخصيّتِه، ودعوةَ الناسِ للاقتداءِ به. وفي الروايةِ أنّ الإمامَ الصادقَ (عليه السلام) -وَلِعَظمةِ فضلِ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) ومنزلتِهِ عند اللهَ عزّ وجلّ- كان إذا ذُكر جَدُّهُ يتغيّرُ لونُ وجهِه، فيحمرُّ مرّةً ويصفرُّ أُخرى.
كما كان (عليه السلامُ) يعظِّمُ الإسمَ المباركَ لرسولِ الله، فقد رُوي عن أبي هارونَ مولى آلِ جَعْدَةَ، قال: «كنتُ جليساً لأبي عبدِ اللهِ الصادقِ (عليه السلامُ) بالمدينة، ففقدني أيّاماً، ثم إنّي جئتُ إليهِ فقال: لم أَرَكَ منذُ أيّامٍ يا أبا هارون! فقلت: وُلدَ لي غلامٌ، فقال: «باركَ اللهُ لك، فما سمّيتَه؟» قلت: سمّيتُهُ محمّداً، فأقبَلَ بخدِّهِ نحوَ الأرضِ وهو يقول: «محمّد، محمّد، محمّد»، حتّى كادَ يُلْصِقُ خدَّهُ بالأرض، ثمّ قال: «بِنَفْسِي وَبِوُلْدِي وَبِأَهْلِي وَبِأَبَوَيَّ وَبِأَهْلِ الْأَرْضِ كُلِّهِمْ جَمِيعاً الْفِدَاءُ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). لَا تَسُبَّهُ وَلَا تَضْرِبْهُ وَلَا تُسِئْ إِلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ دَارٌ فِيهَا اسْمُ مُحَمَّدٍ إِلَّا وَهِيَ تُقَدَّسُ كُلَّ يَوْمٍ».
ومن مظاهرِ التعظيمِ لشخصِ النبيِّ أمرُ اللهِ عزَّ وجلَّ بالصلاةِ عليه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾. وقد وَرَدَ في الكثيرِ من الرواياتِ عن أهلِ البيت (عليهمُ السلامُ) الحَثُّ على الصلاةِ على النبيِّ في كلِّ حال، فمِن ذلك ما جاء عنِ الإمامِ الصادق (عليه السلام)، عن قولِ اللّهِ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾، قال: «الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَحْمَةٌ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ تَزْكِيَةٌ، وَمِنَ النَّاسِ دُعَاءٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيم﴾، فَإِنَّهُ يَعْنِي التَّسْلِيمَ لَهُ فِيمَا وَرَدَ عَنْهُ». قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: «فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؟» قَالَ: «تَقُولُونَ: صَلَوَاتُ اللَّهِ وَصَلَوَاتُ مَلَائِكَتِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَجَمِيعِ خَلْقِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُه. قَالَ: فَقُلْتُ: «فَمَا ثَوَابُ مَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: الْخُرُوجُ مِنَ الذُّنُوبِ -وَاللَّهِ- كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
وقالَ الصادقُ (عليه السلام): «مَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ عَشْراً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ أَلْفاً. أَمَا تَسْمَعُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيم﴾».
وهذه الصلواتُ هي بابٌ مِن أبوابِ استجابةِ الدعاء، فقد وَرَدَ عن الإمامِ الصادق (عليه السلام): «كلُّ دعاءٍ يدعى اللّهُ تعالى بهِ محجوبٌ عنِ السماءِ حتى يُصلَّى على محمّدٍ وآلِ محمّد». بل إنها مُبَيِّضَةٌ لصحيفةِ عملِ الإنسان، ومُزيلةٌ لذنوبِ العباد، فعنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام): «مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ بِهِ ذُنُوبَهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنَ الصَّلَوَاتِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ فَإِنَّهَا تَهْدِمُ الذُّنُوبَ هَدْماً».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين