من دعاءِ الإمامِ المهديِّ صلواتُ اللهِ عليه: «اَللّـهُمَّ ارْزُقْنا تَوْفيقَ الطّاعَةِ، وَبُعْدَ الْمَعْصِيَةِ، وَصِدْقَ النِّيَّةِ، وَعِرْفانَ الْحُرْمَةِ...».
الدعاءُ بابٌ مفتوحٌ للعبادِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فقد وَرَدَ في دعاءِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام)، المعروفِ بدعاءِ أبي حمزةَ الثماليّ: «اللّهُمَّ أَنْتَ القائِلُ، وَقَوْلُكَ حَقٌ، وَوَعْدُكَ صِدْقٌ: ﴿وَاسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ الله كانَ بِكُمْ رَحِيم﴾، وَلَيْسَ مِنْ صِفاتِكَ يا سَيِّدِي أَنْ تَأْمُرَ بِالسُّؤالِ وَتَمْنَعَ العَطِيَّةِ، وَأَنْتَ المَنَّانُ بِالعَطِيَّاتِ عَلى أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ، وَالعائِدُ عَلَيْهِمْ بِتَحَنُّنِ رَأْفَتِكَ».
وهذا الدعاءُ لا يتعلَّقُ بأمورِ الدنيا فقط، أو ما يرتبطُ بالعيشِ فيها، والخلاصِ مِن بلائِها، وما فيها مِن مشقّات، بل يرتبطُ أيضاً بأمورٍ وصفاتٍ معنويّةٍ ودِينيّةٍ مطلوبةٍ من الإنسانِ المؤمن، وهي زِينةٌ له في هذه الدنيا، وبابٌ للنجاحِ والفوزِ في الآخرة. وفي دعاءِ صاحبِ العصرِ (عجل الله فرجه الشريف)، الذي رواهُ الكَفْعَمِيُّ في المصباح، دلالةٌ على نِعَمٍ معنويّةٍ أربع، هي:
1- توفيقُ الطاعة: والطاعةُ موافَقةُ أمرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ونهيِه، مِن خلالِ التقيُّدِ التامِّ بالشريعةِ المـُنزَلةِ على رسولِهِ (صلى الله عليه وآله)، ففي الحديثِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «أَعْطُوا اللَّهَ مِنْ أَنْفُسِكُمُ الِاجْتِهَادَ فِي طَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُدْرَكُ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَحَارِمِهِ...». والتوفيقُ إليها أن ييسِّرَ اللهُ للإنسانِ الدافعيّةَ والرغبةَ والإرادةَ التامّةَ للتمسُّكِ بها. وشَرْطُهُ الاجتهادُ في ذلك، فعنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام): «وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَلَمْ يَجْتَهِدْ، فَقَدِ اسْتَهَزَأَ بِنَفْسِهِ»، والنيَّةُ الخالصةُ في ذلك، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «مَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ، أَمَدَّهُ التَّوْفِيقُ».
2- بُعْدُ المعصية: لقد وَرَدَ التأكيدُ في تعاليمِ الدينِ الحنيفِ على الاستعاذةِ باللهِ -عزَّ وجلَّ-؛ لأنها طريقُ البُعْدِ عنِ المعاصي، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «أَغْلِقُوا أَبْوَابَ الْمَعْصِيَةِ بِالاسْتِعَاذَةِ، وَافْتَحُوا أَبْوَابَ الطَّاعَةِ بِالتَّسْمِيَةِ».
وبابُ البُعْدِ عنِ المعاصي هو الخوفُ منَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وكلما اشتدَّ خوفُ العبدِ مِن ربِّه، زادَ بُعْدُهُ عنِ المعاصي، فقد وَرَدَ أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) كان يدعو فيها، فيقول: «اللّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يَحُولُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ».
3- صِدْقُ النِّيَّة: فالنيّةُ الصادقةُ بابٌ من أبوابِ نزولِ العَونِ منَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إِنَّمَا قَدَّرَ اللَّهُ عَوْنَ الْعِبَادِ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ؛ فَمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ تَمَّ عَوْنُ اللَّهِ لَهُ، وَمَنْ قَصُرَتْ نِيَّتُهُ قَصُرَ عَنْهُ الْعَوْنُ بِقَدْرِ الَّذِي قَصَّرَ».
ومِن سَعَةِ رحمةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- لعبادِه، أنه كَتَبَ لهمُ الثوابَ متى كانت نيَّتُهُم صادقةً للعمل، وإن لم يُكتَبْ لهمُ القيامُ بالعمل، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ الْفَقِيرَ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ ارْزُقْنِي حَتَّى أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْبِرِّ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ بِصِدْقِ نِيَّتِهِ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا يَكْتُبُ لَهُ لَوْ عَمِلَهُ. إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ».
4- عِرفانُ الحُرْمة: وذلك لأنّ الإنسانَ قد يَعرِفُ المعاصي، ولكنه لا يملِكُ درجةَ الحَذَرِ منها، وهذا يُسمّى معرفة، ولكنَّ عِرفانَها هي تلك المعرفةُ بها وبآثارِها الموجِبةِ لسلوكِ طريقِ الابتعادِ عنها، وهذا معنى عِرفانِ الحرمة، فعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «الِانْقِبَاضُ عَنِ الْمَحَارِمِ مِنْ شِيَمِ الْعُقَلَاءِ، وَسَجِيَّةِ الْأَكَارِمِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين