عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلامُ) مخاطباً قومَه: «ولَيْسَ أَمْرِي وأَمْرُكُمْ وَاحِداً، إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ، وأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لأَنْفُسِكُمْ»[1].
إنَّ مِن أعظمِ صفاتِ عبادِ اللهِ الصالحينَ ورسلهِ وأوليائِهِ والمصطفَينَ مِن أوصياءِ الأنبياء، هو حِرصُهُم على هدايةِ الناسِ إلى الحقّ، والأخذِ بهم في طريقِ الهدى، بل إنَّ حِرصَهُم على حِفظِ الناسِ مِنَ الذهابِ في طُرُقِ الضلالِ جَعَلَهُم يتلقَّونَ المصاعبَ والمشقّات، وهذا جُزءٌ مِنَ الرحمةِ الإلهيّةِ التي جَعَلَها فيهم.
وبملاحظةِ كلماتِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلامُ) في مختلفِ المواطن، نجدُ كيف يُبرِزُ الإمامُ (عليه السلامُ) حِرصَهُ على أن يكونَ مَن حولَهُ مِن عبادِ اللهِ الصالحين، بل حتى كلُّ الحروبِ التي خاضها الإمامُ (عليه السلام)، كان الهدفُ منها أن يأتيَ بالناسِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، يقولُ (عليه السلام): «فَوَاللَّهِ مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلَّا وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي، وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي، وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلَالِهَا، وإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا»[2].
وعندما يتحدّثُ الإمامُ (عليه السلامُ) عن قيمةِ السُلْطةِ فيحصُرُها بأمرين: إقامةِ الحقّ، ودفْعِ الباطل، ففي الروايةِ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاس، دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلامُ) بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لَا قِيمَةَ لَهَا، فَقَالَ (عليه السلام): «وَاللَّهِ، لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ، إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا»[3].
ويحدّثُنا الإمامُ (عليه السلامُ) عمّا قام به، باعتبارِهِ الهدفَ الأساسَ الذي حقَّقَهُ في جهادِه، وما تحمَّلَهُ مِن عناءٍ عندما تصدّى للأمور، حتى ألقى عليهِمُ الحُجَّةَ التامّة، يقولُ (عليه السلام): «وَأَعْذِرُوا مَنْ لَا حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ -وهُوَ أَنَا-. أَلَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ الأَكْبَرِ، وأَتْرُكْ فِيكُمُ الثَّقَلَ الأَصْغَرَ؟ قَدْ رَكَزْتُ فِيكُمْ رَايَةَ الإِيمَانِ، ووَقَفْتُكُمْ عَلَى حُدُودِ الْحَلَالِ والْحَرَامِ، وأَلْبَسْتُكُمُ الْعَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي، وفَرَشْتُكُمُ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِي وفِعْلِي، وأَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ الأَخْلَاقِ مِنْ نَفْسِي»[4].
وبهذا، يرسُمُ الإمامُ (عليه السلامُ) لِكُلِّ إنسانٍ يتصدَّى للشأنِ العامّ، ويتولّى أمورَ الناس؛ هَدَفاً واحداً، أنْ يأخُذَ الناسَ معهُ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وأن يمهِّدَ لهمْ طريقَ الهدى ليسلُكوه، وأنْ يُغلِقَ أمامَهم أبوابَ الرَّدى حتى يجتنبوه، قال (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتِي وَعَظَ الأَنْبِيَاءُ بِهَا أُمَمَهُمْ، وأَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الأَوْصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ»[5].
وفي الختام، نباركُ لوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، ولادةَ مولى الموحِّدينَ وسيِّدِ الوصيِّينَ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام)، الذي وَصَفَ نفسَهُ فقال: «وإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، سِيمَاهُمْ سِيمَا الصِّدِّيقِينَ، وكَلَامُهُمْ كَلَامُ الأَبْرَارِ، عُمَّارُ اللَّيْلِ ومَنَارُ النَّهَارِ. مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ، يُحْيُونَ سُنَنَ اللَّهِ وسُنَنَ رَسُولِهِ، لَا يَسْتَكْبِرُونَ ولَا يَعْلُونَ، ولَا يَغُلُّونَ ولَا يُفْسِدُونَ. قُلُوبُهُمْ فِي الْجِنَانِ، وأَجْسَادُهُمْ فِي الْعَمَلِ»[6].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشريف الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، تحقيق صبحي الصالح، ص194.
[2] المصدر نفسه، ص91.
[3] المصدر نفسه، ص76.
[4] المصدر نفسه، ص120.
[5] المصدر نفسه، ص263.
[6] المصدر نفسه، ص302.