بسم الله الرحمن الرحيم
ولادة الإمام الحسن ابن علي عليه السلام
السبط الأول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
في ليلة مباركة من ليالي الشهر الكريم (15شهر رمضان المبارك السنة الثالثة للهجرة) وفي أجواء اليمن، وفيوضات أفضل الليالي والأيام، تلألأ كوكب في دنيا النبوة والإمامة، وبزغ نجم طال انتظاره وترقبه. لقد ولد الإمام المجتبى الحسن بن علي عليه السلام. فأثمر ذلك اللقاء المبارك، وارتسمت ابتسامة الطهر على شفتي فاطمة، وتهلل وجه أمير المؤمنين سرورا وغبطة، وهما ينظران إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم داخلا بيتهم، والجذل طافح على محياه المبارك، والسرور فاض من ابتسامته وكلماته وهو يقول: " اللهم إني أعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم"، وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى. ثم يلتفت إلى أمير المؤمنين مستفسرا: " هل سميته يا علي؟" وكانت إجابة أمير المؤمنين عليه السلام حاضرة: " ما كنت لأسبقك باسمه" فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " وما كنت لأسبق ربي"، وما هي إلا لحظات وإذا بالوحي يناجي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويحمل له التسمية من لحق تعالى، ويقول له جبرائيل: سمه حسنا.
وبعد سبعة أيام على ولادته عليه السلام عقّ عنه كبش، وقال صلى الله عليه وآله وسلم حين ذبحها عقيقة عن الحسن: " اللهم عظمها بعظمه، ولحمها بلحمه، اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله".
ثم بعد ذلك حلق رأس حفيده بيده المباركة، وتصدق بزنته فضة على المساكين وطلى رأسه بالخلوق،وهو طيب مركب من زعفران وغيره، وكذلك أجرى عليه الختان، وكنّاه صلى الله عليه وآله وسلم أبا محمد، وبهذا انتهت جميع مراسم الولادة المباركة التي أجراها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سبطه الأكبر الإمام الحسن الزكي المجتبى عليه السلام.
كانت ملامح الحسن عليه السلام وصفاته تحاكي ملامح جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصفاته، فكان كجده في الأخلاق والصفات الحسنة من العبادة وحسن معاشرة الناس والسخاء والكرم والعفو، والتجاوز عن الآخرين وغيرها من الفضائل الأخلاقية والصفات الحميدة.
وكيف لا يكون كذلك، وهو من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، قد نشأ في بيت الوحي، وتربى في مدرسة التوحيد، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم تولى تربيته وأفاض عليه بمكرمات نفسه، والإمام أمير المؤمنين عليه السلام غذتكن بحكمه، والزهراء القدسية عليه السلام غرست في نفسه الفضيلة والكمال، وبذلك سمت طفولته فكانت مثلا لخلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتكامل الإنساني،فهو من أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهير، وأمر المسلمين بمودتهم وإطاعتهم، ونزلت الآيات العديدة في فضلهم، وتحدث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الكثير في فضلهم وحبهم، منه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أحب أهل بيتي الحسن والحسين عليهما السلام"، بل بلغ من حبه لهما أنه يقطع خطبته في المسجد وينزل عن المنبر ليحتضنهما.
كان الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، يحضر مجلس جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي أمه عليه السلام فيلقي إليها ما حفظه. فإذا دخل علي عليه السلام، وجد عندها علما بالتنزيل، فسألها عن ذلك، فقالت: من ولدك الحسن، فتخفى يوما في الدار، وقد دخل الحسن بعدما سمع الوحي، فأراد أن يلقيه إليه، فارتجّ (أي اضطرب)، فعجبت أمّه من ذلك، فقال: " لا تعجبي يا أماه، قلّ بياني وكلّ لساني، لعل سيّدا يرعاني"، فخرج علي عليه السلام فقبّله.
عاصر الإمام الحسن عليه السلام جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمه الزهراء عليه السلام حدود سبع سنوات، فأخذ عنهما الكثير من الخصال الحميدة والتربية الصالحة، ثم أكمل مسيرة حياته إلى جنب أبيه علي عليه السلام فصقلت شخصيته وبرزت مواهبه فكان نموذجا رائعا للشاب المؤمن واستقرت محبته في قلوب المسلمين.
ومما امتازت به شخصية الإمام الحسن عليه السلام مهابته الشديدة التي ورثها عن جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فكان إذا جلس أمام بيته انقطع الطريق وامتنع الناس عن المرور إجلالا له مما يضطره إلى الدخول ليعود الناس إلى حالهم السابق.وفي هذا قال واصل بن عطاء: " كان الحسن بن علي عليه السلام عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك"، وكان إذا صلى الغداة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس، وكان إذا توضأ للصلاة تغير لونه وإذا وقف لها ارتعدت فرائصه، وإذا ذكر الموت أو القبر أو البعث أو الصراط يبكي حتى يغشى عليه، وإذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل الله الجنة وتعوذ من النار.
وقد قاسم الله ماله ثلاث مرات، وخرج من ماله كله مرتين. وجاء في مضامين الروايات انه كان يغدق الأموال على الفقراء حتى يستغنو، ويبادر إلى دفع المال دون أن يكلف المحتاج عبأ السؤال حتى لا يبذل ماء وجهه معتبرا أن بذل ماء الوجه يقلق المرء ويململه وهو أعظم من بذل المعروف.
وحينما مضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جنة المأوى، وسمت روحه إلى الرفيق الأعلى، انثالت الفتن على المسلمين تترا كقطع الليل المظلم، وحدث ما حدث من إقصاء أمير المؤمنين عليه السلام عن حقه ومنصبه الإلهي، والمعاناة التي عصفت به خلال فترة ما قبل خلافته وكل ذلك يجري، والإمام الحسن عليه السلام يشارك أباه أمير المؤمنين الصبر، وفي العين قذ، وفي الحلق شج، إلى أن تولى الأمر أبوه علي ابن أبي طالب عليه السلام فلازمه طيلة حياته، وشارك في جميع حروبه في البصرة وصفين والنهروان، وأبدى انصياعا وانقيادا تامين لإمامه وملهمه. كما قام بأداء المهام التي أوكلت إليه على أحسن وجه في استنفار الجماهير لنصرة الحق في الكوفة أثناء حرب الجمل وفي معركة صفين وبيان حقيقة التحكيم الذي اصطنعه معاوية لشق جيش علي عليه السلام.
بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام بويع الإمام الحسن عليه السلام بالخلافة في الكوفة وله من العمر سبعة وثلاثون سنة، مما أزعج معاوية فبادر إلى وضع الخطط لمواجهة الموقف. فأرسل الجواسيس إلى الكوفة والبصرة. وأدرك الإمام الحسن عليه السلام أبعاد المؤامرة، وكشف الجواسيس، فأرسل إلى معاوية يدعوه إلى التخلي عن انشقاقه. وأرسل معاوية رسالة جوابية يرفض فيها مبايعة الحسن عليه السلام، وتبودلت الرسائل بين الإمام ومعاوية، وتصاعد الموقف المتأزم بينهما حتى وصل إلى حالة إعلان الحرب.
وسار الإمام الحسن عليه السلام بجيش كبير حتى نزل في موضع متقدم عرف بالنخيلة فنظم الجيش ورسم الخطط لقادة الفرق. ومن هناك أرسل طليعة عسكرية في مقدمة الجيش على رأسها عبيد الله بن العباس وقيس بن سعد بن عبادة كمعاون له. ولكن الأمور ومجريات الأحداث كانت تجري على خلاف المتوقع. فقد فوجئ الإمام بالمواقف المتخاذلة والتي أهمها:
1- خيانة قائد الطليعة العسكرية عبيد الله بن العباس الذي التحق بمعاوية لقاء رشوة تلقاها منه.
2- خيانة زعماء القبائل في الكوفة الذين أغدق عليهم معاوية الأموال الوفيرة فأعلنوا له الولاء والطاعة وعاهدوه على تسليم الإمام الحسن له.
3- قوّة جيش العدو في مقابل ضعف معنويات جيش الإمام الذي كانت تستبد به المصالح المتضاربة.
4- محاولات الاغتيال التي تعرض لها الإمام عليه السلام في الكوفة.
5- الدعايات والإشاعات التي أخذت مأخذا عظيما في بلبلة وتشويش ذهنية المجتمع العراقي.
وأمام هذا الواقع الممزق وجد الإمام عليه السلام أن المصلحة العليا تقتضي مصالحة معاوية حقنا للدماء وحفظا لمصالح المسلمين، لأن اختيار الحرب لا تعدو نتائجه عن أحد أمرين:
أ- إما قتل الإمام عليه السلام والثلة المخلصة من أتباع علي عليه السلام.
ب- وأما حمله أسيرا ذليلا إلى معاوية.
فعقد مع معاوية صلحا وضع هو شروطه بغية أن يحافظ على شيعة أبيه وترك المسلمين يكتشفون معاوية بأنفسهم ليتسنى للحسين عليه السلام في ما بعد كشف الغطاء عن بني أمية وتقويض دعائم ملكهم.
أقبل عبد الله بن سامر الذي أرسله معاوية إلى الإمام الحسن عليه السلام حاملا تلك الورقة البيضاء المذيلة بالإمضاء وإعلان القبول بكل شرط يشترطه الإمام عليه السلام وتم الاتفاق. وأهم ما جاء فيه:
1- أن تؤول الخلافة إلى الإمام الحسن بعد وفاة معاوية، أو إلى الإمام الحسين إن لم يكن الحسن على قيد الحياة.
2- أن يستلم معاوية إدارة الدولة بشرط العمل بكتاب الله وسنة نبيه.
3- أن يكفل معاوية سلامة أنصار علي عليه السلام ولا يساء إليهم.
حكم الإمام الحسن ستة أشهر وخمسة أيام، وبعد مصالحة معاوية انتقل إلى مدينة جدّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بصحبة أخيه الحسين عليه السلام تاركا الكوفة التي دخلتها جيوش معاوية وأثارت في نفوس أهلها الهلع والخوف. وخطب معاوية فيهم قائلا: " يا أهل الكوفة أترون أني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج؟ وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون.. ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم له كارهون... وإن كل شرط شرطته للحسن فتحت قدمي هاتين".
ورغم هذا الوضع المتخلف الذي وصل إليه المسلمون والذي اجبر الإمام الحسن عليه السلام على الصلح مع معاوية، قام الإمام عليه السلام بنشاطات فكرية واجتماعية في المدينة المنورة. تعالج هذه المشكلة وتعمل على تداركها وتفضح المخطط الأموي الذي قام بتصفية العناصر المعارضة وعلى رأسها أصحاب الإمام علي عليه السلام، وتزويد الولاة بالأوامر الظالمة من نحو: " فاقتل كل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك..." وتبذير أموال الأمة في شراء الضمائر ووضع الأحاديث الكاذبة لصالح الحكم وغيرها من المفاسد. وكانت تحركات الإمام الحسن عليه السلام تقلق معاوية وتحول دون تنفيذ مخططه الإجرامي القاضي بتتويج يزيد خليفة على المسلمين.
ولهذا قرر معاوية التخلص من الإمام الحسن، ووضع خطته الخبيثة بالاتفاق مع جعدة ابنة الأشعث بن قيس التي دست السم لزوجها الإمام عليه السلام.
في السابع من شهر صفر عام خمسين للهجرة افلت شمس السبط الأول لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك الإمام الذي هو سيد شباب أهل الجنة بإجماع المحدثين، وأحد الأربعة الذين بأهل بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصارى نجران، ومن أصحاب الطهر الذين نزل فيهم ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير، ومن القربى الذين أمر الله بمودتهم وجعلها أجرا لرسالته كما نصت الآية: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة بالقربى"، واحد الثقلين الذين من تمسك بهما نجا ومن تخلف عنهما ضل وغوى.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرر قوله فيه وفي أخيه الحسين عليه السلام: الحسن والحسين ابناي من أحبهما أحبني ومن أحبني أحبه الله ومن أحبه الله ادخله الجنة، ومن ابغضهما ابغضني، ومن ابغضني ابغضه الله ومن ابغضه الله ادخله النار.
ودفن عليه السلام في البقيع بعد أن منع من الدفن بقرب جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.