مِن دعاءِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلامُ) في أيامِ شهرِ رجب: «بابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاِغِبينَ، وَخَيْرُكَ مَبْذُولٌ لِلطَّالِبِينَ، وَفَضْلُكَ مُباحٌ لِلْسَّائِلِينَ، وَنَيْلُكَ مُتاحٌ لِلآمِلِينَ»[1].
لقد بَسَطَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- لعبادِهِ مائدةً فيها كُلُّ الخيرِ لدنياهمْ وآخرتهم، ولكنه شَرَطَ عليهمْ أن يأخذوها مِن حِلِّها، وأن يَشكُروا نِعمةَ اللهِ عليهم ليأتيَهُمُ المزيدُ منها، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾[2].
وهذه الفِقْرةُ مِنَ الدعاءِ ترسُمُ للإنسانِ صورةً واضحةً عن معامَلةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- لعبادِه، وتفصيلُها في أمورٍ أربع: (راغبٌ وطالبٌ وسائلٌ وآمِل). وفي مقابِلِ كُلٍّ منها عطاءٌ إلهيٌّ خاصّ، وطوبى لِمَنْ جَمَعَها:
1. بابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاِغِبينَ: الرغبةُ هي المدخلُ للورودِ إلى ساحةِ القدسِ الإلهيّ، والراغبُ مِنَ الناسِ مَن يعتقدُ بخيرٍ ويسعى إليه مع إقبالِ النفْسِ والشوقِ للفوزِ به. قال –تعالى-: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ﴾[3]، وفي الروايةِ عن رسولِ الله (صلّى الله عليه وآله)، التي حدّثَنا فيها عن أبوابِ الجنّة، يقولُ (صلّى الله عليه وآله): «وأمّا البابُ الأعظم، فَيَدخُلُ منه العبادُ الصالحون، وهم أهلُ الزهدِ والورع، والراغبونَ إلى الله، المستأنسونَ به»[4].
2. خَيْرُكَ مَبْذُولٌ لِلطَّالِبِينَ: والطَلَبُ هو السعيُ الفعليُّ للوصولِ إلى الأمرِ المرغوبِ والمحبوب، فمَن طَلَبَ الجنةَ سعى إليها، فالإرداةُ وحدَها لا تكفي، بل لا بُدَّ مِن أن يلحقَها العمل، قال -تعالى-: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورً﴾[5]. فالخيرُ الإلهيُّ موضوعٌ في متناوَلِ الطالبين، يأخذونَ منه، ولكنْ عليهِمُ السعيُ للوصولِ إليه.
3. فَضْلُكَ مُباحٌ لِلْسَّائِلِينَ: الفضلُ هو الزيادةُ مِن عندِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فهي مِنَحٌ وعطايا لا بُدَّ لها مِن سؤال، وقد وَرَدَ في الروايةِ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «يَدخُلُ الجنّةَ رجلانِ كانا يعملانِ عملاً واحداً، فيَرى أحدُهما صاحبَه فوقَه، فيقولُ: يا ربّ، بِمَ أعطيتَهُ وكان عملُنا واحداً؟ فيقولُ اللهُ -تباركَ وتعالى-: سألَني ولم تسألْني»[6].
ومعنى كونِهِ مباحاً أنّ المِفتاحَ بِيَدِ الإنسانِ للأخذِ منه، وهو الدعاء، ففي وصيّةِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) لِوَلَدِهِ الإمامِ الحَسَن: «اِعْلَمْ أنَّ الذي بِيَدِهِ خزائنُ ملكوتِ الدنيا والآخرة، قد أَذِنَ لدعائِك، وتكفَّلَ لإجابتِك، وَأَمَرَكَ أن تسألَهُ ليعطيَك... ثُمَّ جَعَلَ في يَدِكَ مفاتيحَ خزائِنِهِ بما أَذِنَ فيه مِن مسألتِه، فمتى شئتَ استفتحْتَ بالدعاءِ أبوابَ خزائِنِه»[7].
4. نَيْلُكَ مُتاحٌ لِلآمِلِينَ: النَّيْلُ هو العطاءُ الخاصّ، وهو خاصٌّ لأصحابِ الأملِ الكبيرِ باللهِ -عزَّ وجلَّ-، وهمُ الذين قاموا بِفِعْلِ الواجبِ والتقرُّبِ إلى اللهِ بالنوافل، ولكنْ أملُهم بالزيادة، وقد تكرَّرَ في القرآنِ الكريمِ الوعدُ بهذه الزيادة، قال -تعالى-: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[8]، فالجزاءُ الإلهيُّ لأهلِ الجنّةِ أنَّ لهم فيها ما يشاؤون، ولكنَّ الزيادةَ هي أعلى مِن ذلك، يقولُ العلّامةُ الطباطبائيّ: «فهذا المزيدُ الذي هو وراءَ جزاءِ الأعمال، أمرٌ أعلى وأعظمُ مِن أن تتعلَّقَ به مشيّةُ الإنسان، أو يَصِلَ إليهِ سعيُه، وهذا أَعْجَبُ ما يَعِدُهُ القرآنُ المؤمنين، وَيُبَشِّرُهُمْ به»[9].
[1]السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج3، ص209.
[2]سورة إبراهيم، الآية 7.
[3]سورة التوبة، الآية 59.
[4]الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص296.
[5]سورة الإسراء، الآية 19.
[6]ابن فهد الحلّيّ، عدّة الداعي ونجاح الساعي، ص42.
[7]العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج74، ص204.
[8]سورة النور، الآية 38.
[9]العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج15، ص130.