أديموا ذِكْرَ اللهِ
عن الإمامِ زينِ العابدينَ في مناجاةِ الذاكرين: «إِلهِي... وَأَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ ذِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ راحَةٍ بِغَيْرِ أُنْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ سُرُورٍ بِغَيْرِ قُرْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ شُغْلٍ بِغَيْرِ طاعَتِكَ»[1].
فَتح اللهُ -عزَّ وجلَّ- لعبادِهِ أبوابَ الأنسِ به، ويرتقي العبدُ في مقاماتِ القُرْبِ حتى لا يكونَ له أُنْسٌ إلّا بِذِكْرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فتكونُ لذَّتُهُ وراحتُهُ وسرورُهُ وشُغْلُهُ ذِكْرَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، المتمثِّلَ بالعباداتِ التي يأتي بها، وتتّسعُ لتشمَلَ كُلَّ عملٍ يقومُ به قاصداً به وجهَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-. لذا، يؤكِّدُ الإمامُ الخامنئيُّ (دام ظلّه) على ضرورةِ الخلوصِ في الأعمالِ غيرِ العباديّةِ أيضاً، فيخاطِبُ الذين يتحمّلون المسؤوليّاتِ الاجتماعيّة: «عليكم أن تعلموا أنَّ هذه الخدمات، لا يمكن أن يصدُقَ عليها عنوانُ الخدمةِ الحقيقة، أو تتّسمُ بالخلوصِ والنورانيةِ والشفافية، إلّا حينما تستأنسُ قلوبُكُم باللهِ تعالى. فعندما يغفُلُ القلبُ عن اللهِ تعالى، ويقطعُ علاقتَهُ بالذِّكْرِ والتوجُّهِ والخشوع، سوف تتلوّثُ هذه الخدمةُ بالكامل -التي قلنا إنَّها أكبرُ العبادات، وتحلُّ مكانَها الرغباتُ والأهواءُ النفسيّة».
وقد جَعَلَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- لبعضِ الأزمنةِ خصوصيةً في التقرُّبِ إليه، فأوصى بالإكثارِ مِن ذكرِه، ومنها شهرُ رسولِ الله، شهرُ شعبان. ومِن أعظمِ الذكرِ فيه المناجاةُ الشعبانيةُ التي يصفُها الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه المولى): «إنَّ هذه المناجاة، هي النَّموذَجُ الكامِلُ مِن تضرُّعِ أكثرِ عبادِ اللهِ الصالحينَ قُرْباً واصْطِفاءً، بين يدَيْ معبودِهِ ومَحبوبِه، الذّاتِ الرّبوبيّةِ المقدَّسة. إنّها مِن جهةٍ درسٌ من المعارف، وهي أيضاً أُسوةٌ في كيفيَّةِ إظهارِ الحاجة، وطلبِ الإنسانِ المؤمِنِ من الله».
وقد ورد في الصلواتِ الشعبانيّةِ وَصْفُ هذا الشهرِ العظيمِ بأنّه الشهر: «الَّذِي كانَ رَسُولُ الله (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَدْأَبُ فِي صِيامِهِ وَقِيامِهِ، فِي لَيالِيهِ وَأَيَّامِهِ، بُخُوعاً لَكَ فِي إِكْرامِهِ وَإِعْظامِهِ، إِلى مَحَلِّ حِمامِه»[2]؛ فالذكرُ الدائمُ والمستمرُّ هو صفةُ أُولي الألبابِ كما وصفهُمُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- في القرآنِ الكريمِ بأنهم ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[3]، فهؤلاءِ يستغرقونَ كُلَّ وقتِهِم في ذكرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، مع أنهم يعيشون كسائرِ الناسِ في حياتِهِمُ العاديّة، وليس ذلك إلّا ببركةِ الخلوصِ المستمرِّ في أعمالِهِمْ كلِّها للهِ -عزَّ وجلَّ-.
وقد ورد في المناجاةِ التوسُّلُ للتوفيقِ لدوامِ ذكرِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-: «إلهي، فَلَكَ أسْأَلُ، وَإلَيْكَ أبْتَهِلُ وَأرْغَبُ، وَأسألُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأنْ تَجْعَلَني مِمَّنْ يُديمُ ذِكَرَكَ، وَلا يَنْقُضُ عَهْدَكَ، وَلا يَغْفُلُ عَنْ شُكْرِكَ، وَلا يَسْتَخِفُّ بِأمْرِكَ»[4].
نبارِكُ لصاحبِ العصرِ والزمان (عج)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، الشعبانيّاتِ المبارَكة، أيّاماً وأعياداً، خصوصاً ميلادَ الإمامِ الحسينِ والإمامِ السجّادِ وأبي الفضلِ العباسِ (عليهِمُ السلام)، ونسألُ اللهَ -تعالى- أن يوفّقَنا للتقرُّبِ أكثرَ مِن صراطِهِ المستقيم، ببرَكةِ هذه الوجوداتِ المقدَّسةِ والمبارَكة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج91، ص151.
[2] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ج2، ص829.
[3] سورة آل عمران، الآية 191.
[4] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج3، ص299.