قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السَّلام): «فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ، أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ»[1].
هذا كلامُ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله) بَعدَ خُطبتِهِ المعروفةِ في استقبالِ شهرِ رمضان. وإذا كان هذا الشهرُ هو شهرَ أعظمِ الطاعات؛ أي الصومَ، مع ما فيه مِن شعيرةِ الإخلاصِ للهِ -عزَّ وجلَّ-، وكَونِ ساعاتِهِ وأيّامِهِ ولياليهِ مِن أفضلِ العمر، يبقى الورعُ وهو الكَفُّ عنِ المحارمِ والتجنُّبُ عنها، وهي درجةٌ تميَّزُ في سلّمِ تقوى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، ففي دعاءِ اليومِ الثامنِ والعشرينَ في شهرِ رمضان، مِن أدعيةِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السَّلامُ) نقرأ: «أسألكَ بالحَجِّ الأكبر، ومِنى وعرفات... وعزمِ أهلِ الصبر، وحزمِ أهلِ الخشية، وشوقِ أهلِ الجنّة، وطلبِ أهلِ الرغبة، وعِرفانِ أهلِ العِلْم، وتقيّةِ أهلِ الورع...» [2].
وخصائصُ الورع –كما ورد في الروايات- يتمثّلُ بالآتي:
1. إنَّ الاجتهادَ في العملِ الصالحِ لا يُثمِرُ إلّا معَ الورع، فقد ورد عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ هِلَالٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السَّلام)، قَالَ: قُلْتُ لَه: إِنِّي لَا أَلْقَاكَ إِلَّا فِي السِّنِينَ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ آخُذُ بِه. فَقَالَ (عليه السَّلام): «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّه، والْوَرَعِ والِاجْتِهَادِ. واعْلَمْ أَنَّه لَا يَنْفَعُ اجْتِهَادٌ لَا وَرَعَ فِيه»[3].
2. إنَّ المؤمنَ يحتاجُ إلى تعاهُدِ أمرِ دِينِهِ دائماً حتى يَنظُرَ إنْ وقع في خطأٍ ومعصية. ومِنَ الأبوابِ التي تصونُ هذا الدينَ مِنَ الخللِ الورعُ، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السَّلام): «اتَّقُوا اللَّهَ، وصُونُوا دِينَكُمْ بِالْوَرَعِ»[4].
3. إنَّ المؤمنَ يطمعُ في نَيلِ ما وَعد اللهُ -عزَّ وجلَّ- به أهلَ الإيمان، وهو متوقّفٌ على التقوى والورع، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السَّلام): «عَلَيْكُمْ بِالْوَرَعِ؛ فَإِنَّه لَا يُنَالُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِالْوَرَعِ»[5].
4. مِن صفاتِ المؤمن، العنايةُ بالعبادة، والالتزامُ التامُّ بطاعةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-. والورعُ مِن أهمِّها، فعنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السَّلام): «إِنَّ أَشَدَّ الْعِبَادَةِ الْوَرَعُ»[6].
5. علامةُ أهلِ الولايةِ لأهلِ البيتِ (عليهِمُ السَّلام)، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السَّلام): «إِنَّمَا أَصْحَابِي مَنِ اشْتَدَّ وَرَعُه، وعَمِلَ لِخَالِقِه، ورَجَا ثَوَابَه؛ فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابِي»[7]، بلِ الورعُ هو علامةُ الإيمان، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السَّلام): «إِنَّا لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ مُؤْمِناً حَتَّى يَكُونَ لِجَمِيعِ أَمْرِنَا مُتَّبِعاً مُرِيداً. أَلَا وإِنَّ مِنِ اتِّبَاعِ أَمْرِنَا وإِرَادَتِه الْوَرَعَ، فَتَزَيَّنُوا بِه يَرْحَمْكُمُ اللَّه»[8].
6. إنَّ الورعَ بابُ دعوةِ المؤمنِ الناسَ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السَّلام): «كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ، لِيَرَوْا مِنْكُمُ الْوَرَعَ والِاجْتِهَادَ والصَّلَاةَ والْخَيْرَ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ»[9].
وختاماً، فإنَّ الورعَ أفضلُ أبوابِ القُرْبِ مِنَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، وبه يَرِثُ الإنسانُ الجنّة، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السَّلام): «فِي مَا نَاجَى اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- بِه مُوسَى (عليه السَّلام): يَا مُوسَى، مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ الْمُتَقَرِّبُونَ بِمِثْلِ الْوَرَعِ عَنْ مَحَارِمِي، فَإِنِّي أُبِيحُهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ لَا أُشْرِكُ مَعَهُمْ أَحَداً»[10].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص95.
[2] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال (ط - القديمة)، ج1، ص230.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص76.
[4] المصدر نفسه.
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه، ص77.
[7] المصدر نفسه.
[8] المصدر نفسه، ص78.
[9] المصدر نفسه.
[10] المصدر نفسه، ص80.