قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾[1].
تتحدّثُ الآيةُ عنْ أيّامِ اللهِ بِوَصفِها أيّامَ الخروجِ من الظلماتِ إلى النور، بَعدَ التحمُّلِ المقرونِ بالصبرِ والشكر، وهكذا الأمرُ في معركةِ الإسلامِ اليومَ في مواجَهةِ الصُّهيونيّةِ والاستكبارِ العالميَّين، فالصبرُ والشكرُ طريقا المواجَهةِ للوصولِ إلى الخروجِ من الظلماتِ إلى النور.
وكان إعلانُ الإمامِ الخمينيِّ (قدس سره) -وفي السنةِ الأولىِ مِن عمرِ الثورةِ الإسلاميةِ المبارَكةِ في إيران-، كان إعلانُهُ لِيومِ القدسِ رَسْماً واضحاً للمسارِ المستقبليِّ لِما ستتبعُهُ هذه الثورةُ في عنوانِ يومٍ اشتملَ على الخصائصِ الآتية:
1. أَبعدُ مِن القدس: فتمسيتُهُ بيومِ القدسِ هو رمزٌ للمواجَهةِ بين المستضعَفينَ والمستكبرين. يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قدس سره): «إنَّ يومَ القدسِ يومٌ عالميّ، وليس يوماً يخصُّ القدسَ فقط، بل هو يومُ مواجَهةِ المستضعَفينَ للمستكبرين». (كلمتُه بتاريخ: ١٦/٧/١٩٧٩م).
2. يومُ اتّحادِ المسلمينَ والمستضعَفين: إنَّ الوحدةَ هي أهمُّ السُّبُلِ الموصِلةِ للانتصار، ولذا كان يومُ القدسِ يومَ وحدةِ أصحابِ المواجَهةِ معَ الاستكبار. يقولُ الإمامُ الخمينيّ: «على المسلمين أن يعتبروا يومَ القدسِ يوماً لجميعِ المسلمين، بل لجميعِ المستضعَفين، وأن ينطلقوا مِن هذه النقطةِ الحسّاسةِ لمواجَهةِ المستكبرينَ الناهبينَ للعالَم، وألّا يسكُتوا حتّى تحريرِ المظلومينَ مِن ظلمِ الأقوياء. وعلى المستضَعفينَ الذين يشكّلونَ الغالبيّةَ الساحقةَ مِن سكّانِ البسيطةِ أنْ يتأكّدوا أنَّ تحقيقَ الوعدِ الإلهيِّ قريبٌ».
3. الإحياءُ المطلوبُ سنويّاً: فهذه المحطّةُ السنويّةُ توجِبُ اليقَظةَ الدائمة. يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قدس سره): «يجبُ على المسلمينَ إحياءُ يومِ القدسِ الذي هو مجاوِرٌ لليلةِ القدر، وَجَعْلُهُ أساساً ومبدأً ليقَظتِهِم وانتباهِهِم». وفي خطابٍ آخرَ للأُمّةِ الإسلاميّةِ (بتاريخ ٣١/٧/١٩٨١م)، يقولُ الإمامُ الخمينيُّ (قدس سره): «جديرٌ بالمسلمينَ في يومِ القدسِ الذي هو مِن أواخِرِ أيّامِ شهرِ اللهِ الأعظم، أنْ يتحرَّروا مِن أَسْرِ وعبوديّةِ الشياطينِ الكبارِ وقوى الاستكبار، وأن يرتبطوا بالقُدرةِ اللامتناهيةِ لله، وأن يَقطَعوا أيديَ مجرمِي التاريخِ عن دُوَلِ المستضعَفينَ وبلادِهم».
ويصفُ الإمامُ الخامنئيُّ هذا اليومَ بأنه: «يومٌ أَقْدَمَ على إعلانِهِ الإمامُ الخمينيُّ (قدس سره) بابتكارٍ ذكيّ، ليكونَ حلقةَ وصلٍ بينَ نداءاتِ المسلمينَ بشأنِ القدسِ الشريفِ وفِلِسطينَ المظلومة، وأنَّ سياسةَ الاستكبارِ والصُّهيونيّةِ تتركّزُ على تغييبِ المسألةِ الفِلِسطينيّةِ مِن ذاكرةِ المجتمَعاتِ المسْلمة».
4. يومُ المستقبَلِ المشرق: يَذكُرُ الإمامُ الخامنئيُّ ميزةً خاصّةً ليومِ القدس، فيقول: «الميزةُ الثانيةُ ليومِ القدسِ هي أنَّ تلكَ الأيّامَ الأخرى هي أيّامُ ذكرى وأيّامُ التضحياتِ والانتصاراتِ السابقة، أمّا يومُ القدسِ فهو يومٌ للتصميمِ والعزمِ على التضحياتِ والانتصاراتِ القادمة. وإذا تذكَّرَ شعبُنا الماضي في تلكَ الأيّامِ الأخرى، وفي تلك الذكرياتِ الأخرى، فإنَّ شَعبَنا سيَختزِنُ في يومِ القدسِ، متطلِّعاً نحو الغد، الدافعَ والهمّةَ والتصميمَ في نَفْسِه، ويتحرّكُ ويَفتحُ الطريقَ باتّجاهِ المستقبَل».
نسألُ اللهَ -عزَّ وجلَّ- أن يمنَّ على هذه الأمّةِ بالنصرِ القريبِ بزوالِ الكيانِ الغاصب.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة إبراهيم، الآية 5.