في الروايةِ عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «مَن أصبح والدُّنيا أكبرُ همِّه، فليس مِن اللهِ في شيءٍ، وأَلزَمَ اللهُ قلبَه أربعَ خِصالٍ: همًّا لا ينقطِعُ عنه أبدًا، وشُغلًا لا يتفرَّغُ منه أبدًا، وفقرًا لا يبلُغُ غناه أبدًا، وأملًا لا يبلُغُ منتهاه أبدًا»[1].
مِن وسائلِ التربيةِ الدينيّةِ التي تؤدّي دوراً كبيراً في تهذيبِ النفْسِ، والابتعادِ بها عن المساوئِ الأخلاقيّةِ والمعاصيِ أن تَخرُجَ الدنيا عن دائرةِ الاهتمامِ الأُولى لدى الإنسان؛ وذلك لأنّ الاهتمامَ بها هو الذي ينعكسُ سلوكاً خاطئاً، بل إنه يَخرجُ عن دائرةِ الارتباطِ باللهِ -عزَّ وجلَّ-. وتتحدّثُ الروايةُ عن خصالٍ أربع، يُبتلَى بها مَن تكونُ الدنيا أكبرَ همِّه:
1. الهمُّ الدائمُ والمستمِرُّ: فالدنيا بطَبْعِها دائمةُ الغُرور، فهي كماءِ البحرِ، كلّما شرب منه الإنسانُ ازداد عطَشاً، فيزدادُ تعلُّقُهُ بها، ويصبحُ همُّهُ الحصولَ عليها؛ وبهذا لا يعيشُ الاستقرارَ ولا الراحةَ في البال، بل سوف يكونُ دائمَ التفكيرِ بها؛ لأنّه كلّما نال شيئاً منها سعى للمزيد، ويَبتعدُ عنِ الله، ففي الروايةِ مِن أخبارِ داودَ (عليه السلام): «ما لأوليائي والهمَّ بالدنيا! إنَّ الهمَّ يُذهِبُ حلاوةَ مناجاتي مِن قلوبِهم. يا داود! إنّ مَحَبَّتي مِن أوليائي أن يكونوا روحانيِّينَ لا يَغْتَمّون»[2].
2. الانشغالُ المستغرِقُ للحياةِ: فالمستغرِقُ في مشاغلِ هذه الدنيا، لا يجدُ وقتاً للاهتمامِ بغيرِها كأمرِ الآخرة، فإنَّ غايةَ ما يراه هو ما يتعلَّقُ بترتيبِ أمورِ هذه الدنيا، ولذا وَرَدَ في الدعاءِ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، ولا مَبْلَغَ عِلْمِنَا»[3].
3. الفقرُ الدائمُ: وهذا الفقرُ إمّا أن يكونَ بالفعلِ، بأنْ يسعى ولا ينالَ شيئاً منها، أو أنَّ المرادَ فَقرُ النفْس، بمعنى أنه مهما امتلكَ -وإنْ بَلغتْ ثروتُه أضعافاً مضاعَفة- ولكنّه يعيشُ في داخِلِهِ الفقرَ، ففي الحديثِ القدسيِّ: أَوحى اللهُ تعالى إلى داودَ (عليه السلام): «وضعتُ الغنى في القناعة، وهم يطلبونه في كثرةِ المالِ فلا يجدونه»[4].
4. طولُ الأملِ: الأملُ أساسٌ في حياةِ الإنسانِ إذا لم يتجاوزْ به الحدَّ الطبيعيَّ، ولذا وَرَدَ التحذيرُ مِن طولِ الأملِ؛ لأنه كما وَرَدَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ: اتِّبَاعُ الْهَوَى، وطُولُ الأَمَلِ، فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ، وأَمَّا طُولُ الأَمَلِ فَيُنْسِي الآْخِرَةَ»[5]. كما أنَّ الأملَ يفُقِدَ الإنسانَ القدرةَ على استخدامِ عقلِهِ بالشكلِ الصحيحِ، ففي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «واعْلَمُوا أَنَّ الأَمَلَ يُسْهِي الْعَقْلَ، ويُنْسِي الذِّكْرَ؛ فَأَكْذِبُوا الأَمَلَ، فَإِنَّه غُرُورٌ، وصَاحِبُه مَغْرُورٌ»[6].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الأمير ورّام، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، ج1، ص130.
[2] الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ، مُسكّن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد، ص85.
[3] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج3، ص321.
[4] ابن فهد الحلّيّ، عدّة الداعي ونجاح الساعي، ص179.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ عليه السلام)، ص83-84.
[6] المصدر نفسه، ص118.