وَرد في زيارةِ الإمامِ الحسينِ (عليه السلامُ) يومَ الأربعين: «وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ دَعائِمِ الدِّينِ، وَأَرْكانَ المُسْلِمينَ، وَمَعْقِلِ المُؤْمِنِينَ. وَأَشْهَدُ أَنَّكَ الإمام البَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الهادِي المَهْدِيُّ»[1].
الزياراتُ الواردةُ عن أهلِ بيتِ العصمةِ والطهارةِ بابٌ مِن أبوابِ معرفةِ الأئمّةِ، سواءً مِن حيثُ المكانةُ والدرجةُ عندَ الله، أم مِن حيثُ الدَّورُ والعملُ الذي قاموا به جهاداً في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أم مِن ناحيةِ الصفاتِ التي خصّهمُ اللهُ عزَّ وجلَّ بها.
وفي زيارةِ الأربعينَ وَرَدَ وصفُ الإمامِ الحسينِ (صلواتُ اللهِ عليهِ) بأنّهُ «مَعْقِلِ المُؤْمِنِينَ». والمعقِلُ الملجأُ والحِصنُ عندما تُطلَقُ على الإنسان، يُرادُ منها مَن يَلجأُ إليه الناسُ إذا عَرَضَ عليهِمْ أمرٌ، ليتّخذوا ممّا يقولُهُ أو يُشيرُ به مدرسةً لمواقفهم وأعمالهم.
وأئمّةُ أهلِ البيتِ (صلواتُ اللهِ عليهم) هم ملجأُ الناسِ في معرفةِ أحكامِهم ووظائفِهم في كلِّ أمورِ حياتِهم، بحسبِ الدورِ الموكولِ إليهم مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ. وفي الزيارةِ الجامعةِ وَرَدَ وَصفُهم (عليهِمُ السلامُ) بأنهم كهفُ الورى؛ أي الخَلق: «السَّلامُ عَلى أَئِمَّةِ الهُدى، وَمَصابِيحِ الدُّجى، وَأَعْلامِ التُّقى، وَذَوِي النُّهى، وَأُولِي الحِجى، وَكَهْفِ الوَرى، وَوَرَثَةِ الأَنْبِياءِ»[2].
وهذا المعنى تكرَّرَ في رواياتٍ متعدّدة عنهم (عليهِمُ السلام)، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «وَإِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ مَعَاقِلُ الْعِلْمِ، وَأَبْوَابُ الْحِكَمِ، وَضِيَاءُ الْأَمْرِ»[3].
فأهلُ المعرفةِ والعلم، والذينَ يبحثونَ عنِ الخلاصِ في دنياهم وآخرتهم، عليهمُ الرجوعُ إلى أهلِ البيتِ (عليهمُ السلام)، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «.. وَنَحْنُ كَهْفٌ لِمَنِ الْتَجَأَ إِلَيْنَا، وَنُورٌ لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِنَا، وَعِصْمَةٌ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِنَا. مَنْ أَحَبَّنَا كَانَ مَعَنَا فِي السَّنَامِ الْأَعْلَى، وَمَنِ انْحَرَفَ عَنَّا فَإِلَى النَّارِ»[4].
وهذه الصفاتُ الواردةُ تهدفُ إلى إثباتِ مرجعيةِ أهلِ البيتِ (عليهمُ السلامُ) للناس، وبهذا المعنى مئاتُ الروايات، ومنها ما وَرد في نهجِ البلاغةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في وصفِ أهلِ البيتِ (عليهمُ السلام): «هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ، ولَجَأُ أَمْرِهِ، وعَيْبَةُ عِلْمِهِ، ومَوْئِلُ حُكْمِهِ، وكُهُوفُ كُتُبِهِ، وجِبَالُ دِينِهِ. بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ»[5].
لذا، كان التأكيدُ على عاشوراءِ الحسينِ (عليه السلامُ) كمدرسةٍ تتخرّجُ منها أجيالُ الموالينَ والمضحّينَ الذين اتّخذوا منها ملجأً يرجِعون إليه. يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (حفظه المولى): «لو نظرنا إلى الحادثةِ منذُ أنْ خرجَ الحسينُ (عليه السلامُ) مِنَ المدينةِ، وتوجّه نحوَ مكّةَ، إلى أن استُشهدَ في كربلاء، لأمكننا أنْ نقولَ إنّ الإنسانَ يستطيعُ عَدَّ مائةِ درسٍ مهمٍّ في هذا التحرّكِ الّذي استمرَّ أشهراً معدودةً فقط، ولا أودُّ القولَ آلافَ الدروس، وإن أمكنَ قولُ ذلك، حيث تُعتبَرُ كلُّ إشارةٍ مِن ذلكَ الإمامِ العظيمِ درساً، لكن عندما نقولُ مائةَ درس، أي لو أردنا أنْ ندقّقَ في هذه الأعمال، لأمكننا استقصاءُ مائةِ عنوانٍ وفصل، وكلُّ فصلٍ يُعتبرُ درساً لأمّةٍ وتاريخٍ وبلدٍ، ولتربيةِ النفسِ وإدارةِ المجتمعِ، وللتقرّبِ إلى الله».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج6، ص114.
[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص610.
[3] محمّد بن حسن الصفّار، بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد (صلّى الله عليهم)، ج1، ص363.
[4] قطب الدين الراونديّ، الخرائج والجرائح، ج2، ص740.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص47.