قال الإمام الرضا(عليه السلام): «لا يستكملُ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتّى تكونَ فيهِ خصالٌ ثلاث: التفقّهُ في الدين، وحسنُ التقديرِ في المعيشة، والصبرُ على الرزايا».
من فضلِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) على الناس، وهو ما فضّلهُم اللهُ عزَّ وجلَّ به، أنْ جعلَهُم أعلاماً لعبادِه، وأدلّاءَ على صراطِه، يهدونَ إلى الحقّ، ويرشدونَ الناسَ الى ما فيه خلاصُهم. وفي ما رويَ عنهم حِكَمٌ كثيرة، وتعاليمُ عظيمةٌ، ومنها هذا الحديثُ عنِ الإمام عليِّ بنِ موسى الرضا (صلواتُ اللهِ عليه)، حيثُ يضعُ الصفاتِ التي تصِلُ بالإنسان إلى استكمالِ حقيقةِ إيمانِه؛ وذلك لأنّ الإيمانَ مقرونٌ بعملِ الإنسان وسلوكِه في هذه الحياة.
والخصالُ التي يشيرُ إليها الإمامُ الرضا (عليه السلام) في هذا الحديث، هي:
1- التفقّهُ في الدين: إنّ امتثالَ الطاعاتِ والإتيانَ بالأعمالِ كما أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها، يتوقّفُ على معرفةِ شروطِها وأحكامِها، وهو معنى التفقّه؛ لذا كانَ التفقّهُ هو الأساسَ الذي يقومُ عليه العمل، ففي الروايةِ عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله): «إنّ لكلِّ شيءٍ دعامةً، ودعامةُ هذا الدينِ الفقه». كما أنّ الإنسانَ من خلالِ معرفةِ حقيقةِ العملِ ينالُ الثمرةَ المقصودةَ والمنشودةَ منه، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام): «فضلُ الفقيهِ على العبادِ كفضلِ الشمسِ على الكواكب. ومَن لم يتفقَّه في دينِه لم يُزَكِّ اللهُ له عملاً».
ويشير (عليه السلام) في رواية أخرى، إلى تلك الآثارِ المترتبةِ على التفقُّه، فيقول فيما روي عنه: «فإنّ الفقهَ مفتاحُ البصيرة، وتمامُ العبادة، والسببُ إلى المنازلِ الرفيعة».
2- حُسنُ التقديرِ في المعيشة: وهو الاعتدال، بمعنى عدمِ الإسراف، واجتنابِ تبديدِ الجهود، وإهدارِ الثّروة؛ والتّدبير، بمعنى التّفكيرِ في عواقبِ الأمور، وحُسنِ التخطيط، والإدارةِ الصحيحة. وروي أنّ رجلاً قالَ للإمامِ جعفرٍ الصادق (عليه السلام): »بلغني أنّ الاقتصادَ والتدبيرَ في المعيشة نصفُ الكسب! فقال (عليه السلام): "لا، بَل هُو الكسبُ كلُّهُ، ومِن الدِّينِ التَّدبيرُ في المعيشةِ«.
كما أنّ من أهمِّ مقوماتِ حسنِ تقديرِ الإنسان في المعيشة، الرضى بما قسَمَ الله له، فقد روي عنِ الإمامِ الرضا (عليه السلام): «مَن رضِيَ باليسيرِ من الحلال، خفّتْ مؤونتُه، ونَعِمَ أهلُه ، وبصّرَهُ اللهُ داءَ الدنيا ودواءَها، وأخرجهُ منها سالماً إلى دارِ السلام».
3- الصبرُ على الرزايا: المؤمنُ يدركُ حقيقةَ هذه الدنيا، وأنَّها دارٌ محفوفةٌ بالبلاء؛ لذا يحملُ الاستعدادَ لمواجهةِ ذلك بما أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهِ من الصبر، فهو السلاحُ الذي يواجِهُ بهِ جميعَ الآثارِ المرتَّبةِ على ما يقعُ عليه، بل إنَّ الصبرَ يدفعُ ما يمكنُ أنْ يأتيَه من بلاءٍ أعظم، ففي الروايةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَهُوَ مُبْتَلىً بِبَلَاءٍ مُنْتَظِرٌ بِهِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ، فَإِنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلِيَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا عَافَاهُ الله مِنَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَنْتَظِرُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ وَجَزِعَ نَزَلَ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ الْمُنْتَظِرُ أَبَداً حَتَّى يُحْسِنَ صَبْرَهُ وَعَزَاءَهُ».
ختاماً، نرفعُ أسمى آياتِ العزاءِ لصاحبِ العصرِ والزمانِ (عجل الله فرجه الشريف)، ولوليِّ أمرِ المسلمين، وللمجاهدينَ جميعاً، بذكرى شهادةِ ثامنِ الحُجَجِ الإمامِ عليِّ بنِ موسى الرضا (صلوات الله عليه)، ونسألُ اللهَ أنْ يكتبَ لنا زيارتَه في الدنيا، وشفاعتَه في الآخرة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين