عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «لَا قَوْلَ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلَا قَوْلَ وَلَا عَمَلَ وَلَا نِيَّةَ إِلَّا بِإِصَابَةِ السُّنَّةِ»[1].
الإنسانُ الحريصُ على آخرتِه، والذي يكونُ مصداقاً لقولِ اللهِ عزَّ وجلَّ ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾[2]؛ لا بدَّ له مِن أنْ يسعى للعملِ أوّلاً، فلا يكتفي بالقول، وأن يُخْلِصَ في عملِه للهِ عزَّ وجلَّ، فلا يُبتلى بالرياء والعُجُب، وأن يوفّرَ شروطَ العملِ بما أَمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ به.
وهذه أركانٌ ثلاث، على المؤمنِ أن يسعى للمحافَظةِ عليها:
1. يعملُ بما يقول: قال تعالى محذِّراً بشدّةٍ منَ القولِ بلا عمل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾[3]. والمقتُ هو البُغضُ الشديدُ لِمَنِ ارتَكَبَ عملاً قبيحاً، وفي الروايةِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الْآخِرَةَ بِغَيْرِ الْعَمَلِ... إِلَى أَنْ قَالَ: يَنْهَى وَلَا يَنْتَهِي، وَيَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي»[4]، فإنّ مِنَ السماتِ الأساسيةِ للمؤمنِ الصادقِ هو الانسجامُ التامُّ بين أقوالِهِ وأعمالِهِ، وكلّما ابتَعَدَ الإنسانُ عن هذا الأصل، فإنه يبتعدُ عن حقيقةِ الإيمان.
وفي رسالةِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلامُ) لمالكٍ الأشترِ أنه قال: «إِيَّاكَ... أَنْ تَعِدَهُمْ فَتُتْبِعَ مَوْعِدَكَ بِخُلْفِكَ... وَالْخُلْفَ يُوجِبُ الْمَقْتَ عِنْدَ اللَّهِ وَالنَّاسِ، قَالَ اللَّهُ: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾[5]»[6].
2. يعملُ بإخلاصِ النيّة: وهي أن يأتيَ بالعملِ للهِ عَزَّ وجَلَّ، فلا يشوبُهُ رياء؛ لأنه مُفسِدٌ للعمل، وفي الروايةِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «في قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾[7]، قَالَ لَيْسَ يَعْنِي أَكْثَرَ عَمَلاً، ولَكِنْ أَصْوَبَكُمْ عَمَلاً، وإِنَّمَا الإِصَابَةُ خَشْيَةُ اللَّه والنِّيَّةُ الصَّادِقَةُ والْحَسَنَةُ، ثُمَّ قَالَ: الإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ، والْعَمَلُ الْخَالِصُ الَّذِي لَا تُرِيدُ أَنْ يَحْمَدَكَ عَلَيْه أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، والنِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ. أَلَا وإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ. ثُمَّ تَلَا قَوْلَه عَزَّ وجَلَّ: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه﴾[8] يَعْنِي عَلَى نِيَّتِه»[9].
3. يعملُ عملاً تاماً: وردَ في الرواياتِ الحثُّ على إتقانِ العمل؛ أي العملَ التامَّ الشروط، فقد وردَ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكم عملاً أن يُتقِنَهُ»[10].
ومِن أهمِّ ذلك هو الانقيادُ في العملِ لِمَنْ أَمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بطاعتِهِم، فإنّهمُ الذين يُدِلُّونَ الإنسانَ على العملِ الذي تتوافرُ فيه الشروط، وَهُمُ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّةُ (عليهِمُ السلامُ) مِن بَعدِه، ثم الفقيهُ العادلُ الذي أُمِرْنا بالرجوعِ إليهِ والالتزامِ بحُكْمِه: ففي الحديثِ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُه عَلَيْكُمْ حَاكِماً، فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْه مِنْه فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ، وعَلَيْنَا رَدَّ، والرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّه، وهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّه»[11].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص70.
[2] سورة الإسراء، الآية 19.
[3] سورة الصفّ، الآيتان 2-3.
[4] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص151.
[5] سورة الصفّ، الآية 3.
[6] نهج البلاغة (صبحي صالح)، ص444.
[7] سورة الملك، الآية 2.
[8] سورة الإسراء، الآية 84.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص16.
[10] پاينده، أبو القاسم، نهج الفصاحة، ص305.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص67.