عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مَنْ كَسَاه الْحَيَاءُ ثَوْبَه لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَه»[1].
الحياءُ منَ الصفاتِ النفسانيّةِ؛ وهو يعني الخجلَ أو لومَ النفسِ على قبائحِ الأمور. وفي تفسيرِ قولِ الإمامِ (عليه السلام) يوجدُ احتمالان:
الأوّل؛ نفيٌ لرؤيةِ العيبِ فيه: فالشخصُ المتصّفُ بالحياءِ عنده عيبٌ، ولكنَّ الناسَ لا يرونَ عيبَه؛ لأنّه قليلُ العيوب، وهو عندما يرتكبُ ما يُعابُ بهِ منَ الرذائل، يكونُ في غايةِ التستُّرِ بهِ والاجتهادِ في إخفائِه، وهو بمظنّةِ أنْ لا يراهُ الناس.
الثاني؛ نفيٌ للعيبِ عنه: إنَّ صفةَ الحياءِ تمنعُ صاحبَها منَ ارتكابِ العيبِ أصلاً، فهو يخجلُ منْ رؤيةِ الناسِ لهُ متلبِّساً بالعيبِ والخطيئة، فيصبحُ الحياءُ لهُ طبيعةً وملكةً تجعلُهُ يخافُ اللومَ والعتابَ منَ الناس؛ فلذلكَ تراهُ يحتاطُ ويحذرُ، فلا يفعلُ العيبَ أبداً. وعليه، يكونُ تعبيرُ الإمامِ (عليه السلام) أنّ الناس لا يرونَ له عيباً كنايةً عنْ أنّهُ فعلاً لا عيبَ له.
وبهذا وردَ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في كتابِهِ إلى الحارثِ الهمدانيّ: «واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِه فِي السِّرِّ، ويُسْتَحَى مِنْه فِي الْعَلَانِيَةِ»[2].
ومنْ كانتْ هذهِ الصفةُ قدْ لبِسَتْهُ، وكانتْ لهُ كالثوبِ الذي يرتديه، ولم تكنْ حالةً طارئةً عارضة، ولم يكنْ هذا الثوبُ يغطّي بعضَ عيوبه، وإنّما له ثوبٌ كاملٌ يغطّيه؛ والثوبُ هنا تعبيرٌ آخرُ عن ظاهرِ الإنسان، فمنْ كانَ ظاهرُه الحياء، فهو يمنعُ منْ أنْ يرى الناسُ له أيَّ عيب.
ويؤيّدُ هذا المعنى رواياتٌ وردتْ في اقترانِ الحياء مع الإيمان، فقدْ وردَ عنْ أَحَدِهِمَا (الباقر أو الصادق) (عليهما السلام): «الْحَيَاءُ والإِيمَانُ مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا تَبِعَه صَاحِبُه»[3].
وعلى كِلا التفسيرين، فإنّ هذه الحكمةَ منه (عليه السلام) حثٌّ على الحياء الذي لا شكَّ في أنّ لهُ مراتبَ ودرجات، والرتبةُ العاليةُ منه تتناسبُ مع الكسوةِ التامّةِ التي تجعلُهُ لا يرتكبُ العيبَ أبداً.
ولذا، على المؤمنِ أنْ يتفكّرَ في أيِّ عملٍ يقومُ بِهِ وأنّهُ هل يناسبُ الحياءَ الذي أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهِ أم لا، فيتركَه عندَ الارتياب. ويعلِّمُ الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) أصحابَه طريقَ معرفةِ ذلك؛ عبرَ النظرِ إلى سلوكِ أهلِ الصلاحِ والحياء، فإذا رأى أنّهم لا يقومونَ بِهِ اجتنبَه، فقدْ جاءَ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) -فيما كتبَ إلى أصحابِه وأمرَهُم بمدارستِها والنظرِ فيها-: «وعليكمْ بالحياء، والتنزُّهُ عمَّا تنزَّهَ عنْهُ الصالحونَ قبلَكُم»[4].
ولمّا كانتْ صفةُ الحياءِ منْ أمّهاتِ الصفاتِ الأخلاقيّة، كانَ تأثيرُها على أخلاقِ الإنسانِ بعيدَ الجانب، فقدْ رويَ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه): «أمّا الحياءُ فيتشعّبُ منهُ اللينُ، والرأفةُ، والمراقبةُ للهِ في السرِّ والعلانيةِ، والسلامةُ، واجتنابُ الشرّ، والبشاشةُ، والسماحةُ، والظَفَرُ، وحسنُ الثناءِ على المرءِ في الناس، فهذا ما أصابَ العاقلَ بالحياء، فطوبى لمنْ قَبِلَ نصيحةَ الله، وخافَ فضيحتَه»[5].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص508.
[2] المصدر نفسه، ص459.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص106.
[4] المصدر نفسه، ج8، ص2.
[5] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله، ص17.