وردَ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) في وصيّتِه لجميلِ بنِ درّاج: «... وَمِنْ خَالِصِ الإِيمَانِ الْبِرُّ بِالإِخْوَان، والسَّعْيُ فِي حَوَائِجِهِمْ، وإِنَّ الْبَارَّ بِالإِخْوَانِ لَيُحِبُّه الرَّحْمَنُ، وفِي ذَلِكَ مَرْغَمَةٌ لِلشَّيْطَانِ، وتَزَحْزُحٌ عَنِ النِّيرَانِ، ودُخُولُ الْجِنَانِ. يَا جَمِيلُ، أَخْبِرْ بِهَذَا غُرَرَ أَصْحَابِكَ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! مَنْ غُرَرُ أَصْحَابِي؟ قَالَ: هُمُ الْبَارُّونَ بِالإِخْوَانِ فِي الْعُسْرِ والْيُسْرِ»[1].
البرُّ هو التوسُّعُ في فعلِ الخير، فبرُّ الناسِ هو التوسُّعُ في الإحسانِ إليهم؛ بالصدقاتِ والخدماتِ وقضاءِ الحوائج. وورد العديدُ من الرواياتِ عن أهلِ البيتِ (عليهمُ السلام) حثٌّ لأصحابِهم على البرِّ ببعضِهم بعضاً، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «تَوَاصَلُوا وتَبَارُّوا، وتَرَاحَمُوا، وكُونُوا إِخْوَةً بَرَرَةً، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ»[2].
ومنْ مصاديقِ البرِّ ما جاءَ في كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ منَ الإنفاقِ في سبيلِه، وهو أوضحُ مصداقٌ للبرّ، قال تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[3].
ومنْ أبوابِ البرِّ التي وردتْ في الروايات، ما عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) في تقسيمِه للإخوانِ إلى قسمَين: «الإِخْوَانُ صِنْفَانِ: إِخْوَانُ الثِّقَةِ، وإِخْوَانُ الْمُكَاشَرَةِ... فَإِذَا كُنْتَ مِنْ أَخِيكَ عَلَى حَدِّ الثِّقَةِ، فَابْذُلْ لَه مَالَكَ وبَدَنَكَ، وصَافِ مَنْ صَافَاه، وعَادِ مَنْ عَادَاه، واكْتُمْ سِرَّه وعَيْبَه، وأَظْهِرْ مِنْه الْحَسَنَ، واعْلَمْ -أَيُّهَا السَّائِلُ- أَنَّهُمْ أَقَلُّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الأَحْمَرِ»[4].
ولذا، على المؤمنِ أنْ يحفظَ قديمَ المودَّةِ بينَه وبينَ إخوانِه، فهو منْ أبوابِ البرّ، فقدْ رويَ عنْ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) -في وصفِ المؤمن-: «لطيفٌ على أخيهِ بزلَّتِه، ويرعى ما مضى منْ قديمِ صُحبتِه»[5].
والمعيارُ الذي يحكمُ أنواعَ البرِّ كلِّه في العلاقةِ معَ الإخوانِ، هو ما رويَ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) في وصيَّتِه لأحدِ أصحابِه في التعاملِ معَهُ كنفسِه: «أوصيكَ بتقوى اللَّه، وبِرِّ أخيكَ المسلم، وأحبَّ لهُ ما تُحِبُّ لنفسِك، واكرَه له ما تكرَهُ لنفسِك»[6].
وفي رسالةِ الحقوقِ للإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) بيانٌ لهذِهِ الحقوقِ المترتّبةِ على الأُخُوّة: «وحقُّ أخيك، أنْ تَعلمَ أنّهُ يدُكَ التي تبسُطُها، وظهرُكَ الذي تلتجئ إليه، وعزُّكَ الذي تعتمدُ عليه، وقوَّتُكَ التي تصولُ بها، فلا تتّخِذْهُ سلاحاً على معصيةِ اللَّه، ولا عِدَةً للظلمِ لخلقِ اللَّه، ولا تدعْ نصرتَه على نفسِه، ومعونتَه على عدوِّه، والحؤولَ بينَه وبينَ شياطينِه، وتأديةَ النصيحةِ إليه، والإقبالَ عليه في اللَّه، فإنِ انقادَ لربِّهِ، وأحسنَ الإجابةَ له، وإلّا فليكُنِ اللَّهُ آثَرَ عندكَ وأكرمَ عليكَ منه»[7].
ونختمُ بعلاماتِ البارِّ المرويّةِ عن رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله): «أمّا عَلامَةُ البارِّ فَعَشَرَةٌ: يُحِبُّ فِي الله، ويُبغِضُ فِي اللهِ، ويُصاحِبُ فِي اللهِ، ويُفارِقُ فِي اللهِ، ويَغضَبُ فِي اللهِ، ويَرضى فِي اللهِ، ويَعمَلُ للهِ، ويَطلُبُ إلَيهِ، ويَخشَعُ للهِ خائِفاً مَخوفاً، طاهِراً مُخلِصاً، مُستَحيِياً مُراقِباً، ويُحسِنُ فِي اللهِ»[8].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص41.
[2] المصدر نفسه، ج2، ص175.
[3] سورة آل عمران، الآية 92.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص249.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج64، ص311.
[6] المصدر نفسه، ج71، ص225.
[7] المصدر نفسه، ج71، ص15.
[8] المصدر نفسه، ج1، ص121.