بسم الله الرحمن الرحيم
هو الإمام التاسع من أئمة أهل البيت عليهم السلام المطهرين المعصومين, أبوه الإمام علي بن موسى الرضا علي السلام, وأمه سبيكة من أهل بيت مارية القبطية أم إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولد الإمام الجواد عليه السلام في المدينة المنورة في ليلة الجمعة التاسع عشر من شهر رمضان المبارك, سنة 195 للهجرة, ويكنى أبو جعفر الثاني تميزا له عن جده الإمام الباقر(أبو جعفر), ومن ألقابه: الجواد والتقي.
تولى الإمام الجواد عليه السلام الإمامة الفعلية في سن مبكرة من عمره الشريف, فقد كان عند شهادة أبيه الرضا علي السلام ابن سبع سنين, الأمر الذي أثار استغراب الناس عموما.
وقد روي عن صفوان بن يحي انه سأل الرضا علي السلام عن الخليفة بعده, فأشار الإمام إلى ابنه الجواد عليه السلام وكان في الثالثة من عمره فقال صفوان: جعلت فداك, هذا ابن ثلاث سنين؟ فقال عليه السلام: وما يضر ذلك؟ لقد قام عيسى عليه السلام بالحجة وهو ابن ثلاث سنين.
وكان الرضا علي السلام يخاطب ابنه الجواد عليه السلام بالتعظيم وما كان يذكره إلا بكنيته فيقول: "كتب إلي أبو جعفر" و"كنت أكتب إلى أبي جعفر" وكان يكرر هذا الكلام في حق ابنه رغم صغر سنه دفعا لتعجب الناس من انتقال الخلافة إليه وهو صغير السن, كما كان يستشهد على أن البلوغ لا قيمة له في موضوع الإمامة بقوله تعالى في شأن يحي عليه السلام: ﴿وآتيناه الحكم صبيا﴾. وقد اثبت الإمام الجواد عليه السلام سعة علمه وقوة حجته وعظمة آياته منذ صغره, فكان الناس في المدينة يسألونه ويستفتونه وهو ابن تسع سنين. وقد عمل الإمام الرضا علي السلام على إزالة اللبس والاشتباه في موضوع إمامة الجواد عليه السلام بالأدلة والبراهين, ومهد له بكافة الطرق والأساليب, فكان يأمر أصحابه بالسلام على ابنه بالإمامة والإذعان بالطاعة كما في قوله لسنان بن نافع: "يا ابن نافع, سلم وأذعن له بالطاعة, فروحه روحي, وروحي روح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"..
كان الإمام الجواد عليه السلام في السادسة من عمره حينما خرج والده الرضا علي السلام من المدينة إلى خرسان, وبعد اغتيال الإمام الرضا علي السلام انتقل المأمون إلى بغداد واستدعى الإمام الجواد إليه, في محاولة احتوائه والحد من نشاطه في المدينة التي كان يرقى إلى منبرها ويخاطب الناس بقوله: "ولولا تظاهر أهل الباطل, ودولة أهل الضلال ووثوب أهل الجهل لقلت قولا تعجب منه الأولون والآخرون... يضع يده الشريفة على فمه ويقول: "يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل".
وفي بغداد تظاهر المأمون بإكرام الإمام وبره فأنزله بالقرب من داره وأسكنه في قصره وعزم على تزويجه من ابنته أم الفضل, ليدفع عنه التهمة بتصفية الرضا علي السلام التي زعزعت من ولاء أهل خراسان له, وعرّضته لانتفاضاتهم التي كانت تظهر بين حين وآخر, وليتركه قريبا منه وتحت المراقبة الأمنية خوفا وحذرا من تحريك العلويين ضده.
ولكن تزويجه من ابنته أم الفضل أثار مخاوف العباسيين من أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى إليه مع أبيه الرضا علي السلام من ولاية العهد, فاجتمع أقطابهم إلى المأمون قائلين له: "إن هذا الفتى صبي لا معرفة له ولا فقه, فأمهله حتى يتأدب ويتفقه في الدين.." في محاولة منهم لمنع حصول هذا الأمر إذ كان يؤرقهم دائما فكرة انتقال الخلافة إلى منافسيهم العلويين. فأجابهم المأمون: "ويحكم إني اعرف بهذا الفتى منكم, وإن أهل هذا البيت علمهم ومواهبهم من الله تعالى ومن إلهامه, وإن شئتم فامتحنوه". فأجمعوا أمرهم على إحضار قاضي القضاة يحي بن أكثم ليمتحن الإمام عليه السلام, واختيارهم لقاضي القضاة - وهو أعلى منصب ديني في الدولة آنذاك - يدل على مدى خوفهم من الإمام واعترافهم بعظمته رغم صغر سنه. وفي مجلس حاشد واجه القاضي يحي الإمام عليه السلام بالمسألة التالية: ما تقول في محرم قتل صيدا؟ وبكل بساطة واطمئنان أجاب الإمام عليه السلام: قتله في حل أو في حرم؟ عالما كان المحرم أو جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أو عبدا؟ صغيرا كان أو كبيرا؟مبتدئا بالقتل أو معيدا؟من ذوات الطير كان الصيد أم غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصرا على ما فعل أم نادما؟ ليلا كان قتله للصيد أم نهارا؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟ واشرأبت الأعناق إلى القاضي يحي الذي كان أعجز من أن يتابع مسألة الإمام عليه السلام, فبان عليه الارتباك وظهر فشله وعجزه, فقال المأمون لهم: أعرفتم ما كنتم تجهلون؟ وتوج المأمون انتصاره بعقد قران ابنته من الإمام عليه السلام في نفس المجلس.
لم تخف على الإمام عليه السلام أهداف المأمون التي كانت تخضع للحسابات الآنية الضيقة والمصلحة الشخصية, بينما جاءت تصرفات الإمام مبنية على أساس المصلحة الإسلامية العامة ومنسجمة مع الحسابات الواسعة التي تخدم الإسلام على المدى البعيد. واستطاع الإمام بذلك أن يحقق أهدافه من خلال:
1- إبقاء الشرخ الكبير بين المأمون والأسرة العباسية بتزوجه من أم الفضل.
2- تدعيم قضية الإمامة وإظهار أحقيتها, في مواجهة التشكيك بها نتيجة صغر سنه, وتم ذلك عبر مواجهة قاضي القضاة أعلى منصب ديني في الدولة وإفحامه, وغيرها من المحاججات.
3- إيجاد اكبر قدر من الحرية على مستوى تحركات الإمام واتصاله بقواعده الشعبية وتخفيف وطأة الضغط عليهم.
وبالفعل انتقل الإمام عليه السلام إلى المدينة رغم تحفظات المأمون ليمارس مهامه في التوعية والتثقيف والإرشاد في أجواء ملائمة لم يكن خلالها في ضيق من أمره ولا مراقبا من احد. فكان أصحابه يتصلون به مباشرة وتصل إليهم الأحكام الشرعية والحقوق. كما كان يدرس ويحاور ويبين للناس ما اشتبه عليهم من أمر دينهم ودنياهم حتى تحول بيته إلى مدرسة يؤمها العلماء والفقهاء من مختلف أقطار العالم الإسلامي, وتخرج منها العديد من أصحاب الفضل في حفظ الأحاديث والأحكام ونقلها لأتباعهم.
استمر الإمام الجواد عليه السلام في مسيرته الإصلاحية حتى وفاة المأمون. وخلفه المعتصم الذي كان يمثل قمة الانحراف على رأس السلطة, ولم ترق له نشاطات الإمام الإصلاحية فاستدعاه إلى بغداد, وقد وصل إليها في الثامن والعشرين من المحرم سنة 220هـ, ووضعه تحت الإقامة الجبرية مدة من الزمن بهدف الحد من نشاطه, ولكنه بات يشكل خطرا عليه نتيجة التفاف الناس حوله وتأثرهم به, فأوعز إلى زوجته أم الفضل فدست له السم في الطعام فقضى الإمام عليه السلام شهيدا, في يوم السبت الآخر من ذي القعدة من نفس العام (220هـ). وقد دفن في مقابر قريش في الكرخ جنب قبر جده الإمام موسى الكاظم عليه السلام. فيما يعرف بالكاظمية الآن.
تزوج الإمام الجواد عليه السلام من أم الفضل بنت المأمون ولم ينجب منها, واتخذ عليه السلام أمهات أولاد فأنجب منهن علي الهادي عليه السلام, وموسى, وفاطمة وإمامة, وقيل لم ينجب إلا الإمام الهادي عليه السلام.