قال الإمامُ الرضا (عليه السلام): «لَا يَجْتَمِعُ الْمَالُ إِلَّا بِخِصَالٍ خَمْسٍ: بِبُخْلٍ شَدِيدٍ، وَأَمَلٍ طَوِيلٍ، وَحِرْصٍ غَالِبٍ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَإِيثَارِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ»[1].
يحرصُ الإنسانُ على جمعِ المالِ، وقد يجمعُهُ مِن حلالٍ أو مِن حرامٍ، وقد يكونُ المالُ حلالاً ولكنّهُ يُجمَعُ بصفاتٍ وخصالٍ مذمومةٍ أيضاً، والإسلامُ حَرِصَ على تربيةِ الإنسانِ المؤمنِ أوّلاً على عدمِ التعلّقِ بالمال، وحرص على أن يكونَ جَمعُهُ من حَلالٍ فقط، وعلى أن لا يكونَ كُلُّ همِّهِ بجمعِ ما يكونُ من حلالٍ منه أيضاً. وفي الروايةِ الرضويةِ هذه بيانٌ لبعضِ الخصالِ المذمومةِ التي يُجمَعُ فيها المال:
1. البخلُ الشديد: وهو الإمساكُ عن الإنفاقِ مِن قِبَلِ الإنسانِ في المواردِ التي يكونُ الإنفاقُ فيها مطلوباً ومرغوباً، كالتجمُّلِ المطلوبِ، وإكرامِ الضيفِ، ونحوِ ذلك، وقد ينشأ هذا من الخوفِ من الفقر، ففي المرويِّ عن الإمامِ الرضا (عليه السلام): «لَا تُحَدِّثُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْفَقْرِ وَلَا بِطُولِ الْعُمُرِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْفَقْرِ بَخِلَ، وَمَنْ حَدَّثَهَا بِطُولِ الْعُمُرِ حَرَصَ»[2].
ومواجَهةُ تلك الصفةِ تكونُ بالثقةِ باللهِ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ البخلَ يرجعُ إلى سوءِ الظَنِّ بالله، فعن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «الْبُخْلُ بِالْمَوْجُودِ سُوءُ الظَّنِّ بِالْمَعْبُودِ»[3].
لذا، يصفُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلامُ) عَيشَ البخيلِ بقولِه: «عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ! يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ؛ فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ»[4].
2. الأملُ الطويل: لمعرفةِ خَطَرِ هذه الصفة، يكفي التأمُّلُ في الآيةِ المبارَكة، وهي قولُه تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾[5]، فهذا الأملُ الطويلُ والمتمادي مِنَ الإنسان، يجعلُهُ يبتعدُ عن القيامِ بواجباتِهِ ووظائفِه، وهذه الصورةُ نتلمس ملامحَها بجلاء، وفي دعاءِ كُمَيل: «وَحَبَسَنِي عَنْ نَفْعِي بُعْدُ أَمَلِي»[6]، فهذا الأملُ الطويلُ هو سِجنٌ لهذا الإنسان، يبتعدُ به عن العملِ الصالحِ المفيد.
3. الحرصُ الغالب: وهو الذي يمنعُ الإنسانَ من التصرّفِ في نِعَمِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وطلبِ المزيدِ دائماً، فيكونُ كُلُّ وقتِهِ ونهارِهِ في الجمعِ لهذه الدنيا، وهو درجةٌ من البخل. وقد ورد في المرويِّ عنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ- يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا مَا يَكْفِيكَ، فَإِنَّ أَيْسَرَ مَا فِيهَا يَكْفِيكَ؛ وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ مَا لَا يَكْفِيكَ، فَإِنَّ كُلَّ مَا فِيهَا لَا يَكْفِيكَ»[7].
4. قطيعةُ الرَّحِم: على الإنسانِ واجباتٌ في علاقاتِهِ بأرحامِه، وينبغي عليه أداءُ ذلك، وإنَّ الامتناعَ عن أداءِ بعضِ تلكَ الحقوقِ نوعٌ من القطيعة، فقد وَرَدَ عن أميرِ المؤمنينَ الحَثُّ على الإنفاقِ على القرابة، يقولُ (عليه السلام): «أَلَا لَا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ، يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ، أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لَا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ، وَلَا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ. وَمَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ، فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ، وَتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ. وَمَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ، يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ»[8].
5. إيثارُ الدنيا على الآخرة: إذا تعلَّمَ الإنسانُ منطقَ القرآنِ الكريم ﴿وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾[9]، فإنّهُ سوفَ يبادِرُ للإنفاق؛ لأنه سوفَ يقدّمُ الباقي على الفاني، بل سوفَ يبذلُ ما في الدنيا للفوزِ بالآخرة.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج1، ص276.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص346.
[3] اللّيثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص18.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح)، ص491.
[5] سورة الحجر، الآية 3.
[6] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج2، ص845.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص138.
[8] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح)، ص65.
[9] سورة الأعلى، الآية 17.